ساهر .. معالجة أم جباية؟!
ليس أحد ضد تطبيق الأنظمة، خاصة المرورية، التي تمنع تجاوز السرعة المحدّدة لدى قيادة السيارة، بصفة خاصة والتصدّي لمخالفات المرور بصفة عامة، بوصفها غاية مُثلى، يجب على المجتمع ضبطها وحثّ المواطنين عليها، والانصياع لها، والترشيد لسلوكهم بالتخفيف من مضار مخالفات المرور التي تقع بسببها الحوادث المروعة؛ والالتزام بما تضعه الدولة من أنظمة ولوائح؛ لما يترتب على ذلك من مصالح عامة للمجتمع وعموم المواطنين.
لكن في حالة تطبيق ''نظام ساهر''، الذي يعد آلية مهمة في فرض نظام صارم لحركة السير، ومعاقبة العابثين بأرواح البشر، فقد تعرّض كأي نظام جديد للمناقشة، والتحليل والنقد الموضوعي؛ فقد انتابت المخاوف شرائح عدة في المجتمع جرّاء تطبيقه دون أن يسبقه برنامج توعوي شامل وجاد، يقضي على مخاوفهم، وشكوكهم حول: هل هو برنامج معالجة مروري أم نظام جباية؟.. واختلطت المفاهيم لدى رجل الشارع، وبات تطبيقه يتصدّر أولويات الحديث في المجالس والمنتديات الخاصة والعامة، وأبرزت وسائل الإعلام آراء كثيرة متنوعة، اتفق معظمها على وجود ملحوظات مهمة، يجب أن يتلاشاها مسؤولو المرور في هذا الشأن، وأسوق في هذا الخصوص عددا من الملحوظات التي يجب أن يأخذها المسؤولون في الاعتبار:
- المادة (68) من نظام المرور، الذي صدر عام 1428هـ، ولائحته التنفيذية الصادرة عام 1429هـ ـــ قد حدَّدت عقوبات المخالفات في جدول المخالفات (1-4)، في حديها الأدنى والأعلى، بينما لم نجد أي أثر لهذا الجدول وتطبيقاته وفعالياته في نظام ساهر، الذي كان يجب أن يكون أحد آليات هذا الجدول الشامل!
- المادة (73) من نظام المرور أعلاه، وتطبيقه في اللائحة التنفيذية، التي تنص على أن ''المدة المقررة بدفع المخالفة مدة أقصاها 30 يوما من تاريخ المخالفة بموجب إيصال رسمي''، بينما في تصريح متكرر لبعض المسؤولين يقول: إن المخالفات المرورية تحسب من تسجيلها في الحاسب وليس من تاريخ التحرير، ما يضاعف المخالفة على المواطن، ويبرز للعيان التخبط في هذا الخصوص!
- بينما تتيح المادة (75) من نظام المرور لقائد السيارة حق الاعتراض على نموذج الضبط أمام محكمة مختصة، إلا أن المحاكم العامة، ما زالت ترفض النظر في منازعات المرور بدعوى عدم الاختصاص، على الرغم من تصريح رئاسة مجلس القضاء الأعلى، في وقت سابق بأن المحاكم العامة على استعداد لاستلام ومعالجة تلك القضايا! وهنا يثور تساؤل مهم: إذا كان السائق يدفع فقط دون أن يعرف سبب المخالفة فهل يُعقل إن لم يدفع خلال شهر فإن المخالفة تتضاعف عليه؛ ما يثر محاذير شرعية لا تجوز؟!
- لا ينكر أحد أن نظام (ساهر) أسهم في إيجاد بيئة متكاملة في استكمال دورة المعلومات الرئيسة، وبناء قاعدة بيانات ومعلومات مهمة جدا، أبرزها إيجاد ملف خاص بالسائق من خلال الشراكة التي تمت بين العلم ومؤسسة النقد العربي السعودي؛ والمركز الوطني للمعلومات، فلماذا لا يُستَخدم ''ساهر'' كآلية مهمة لتطبيق لائحة النقاط المرورية، التي تعاقب قائد السيارة وتثيبه وفق نظام دقيق وعادل؛ لأنه يشتمل على نظام المعالجات؛ وينسجم مع ما ورد في المادة (76) من نظام المرور الجديد، ولائحته التنفيذية في فقرتها (56/3) بالتأكيد على إعادة تأهيل المخالفين ضمن منظومة تدريبية وتعليمية، وهو ما لا نجده أساسا في ''ساهر'' الذي تركّزت آلياته وتطبيقاته على العقوبات ومضاعفة المخالفات، فقط في حدّها الأعلى، دون وضع برامج تدريبية، تضمن تأهيل قائد السيارة، الذي يرتكب المخالفة!
ــ يبدو أن لوحات السرعات في الشوارع، قد وضعت جزافا، ودون دراسة أو حساب متوسط السرعة .. ما يثير تساؤلا مهما كذلك: هل وضعت السرعات في هذه الشوارع لدراسة جادة، وهل تم تخطيط شوارعنا جميعها على هذا الأساس؟!
إن الشدة في تطبيق ''ساهر'' أسهمت في استبعاد الجانب الجمالي فيه، وحُسن مقاصده؛ ويجدر بالقائمين عليه، إخضاعه لفترة تقويم، تأخذ في اعتبارها رصد جميع الملحوظات عليه، وإعادة تطبيقه، في ظل توافق مجتمعي عام؛ لأن المجتمع هو المختص بتطبيقه، والمعني بنتائجه: الإيجابية والسلبية على السواء.. من خلال مراجعة الجوانب الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والتوعية بصورة متكاملة بما يسهم في تحقق المصلحة، وأهمية تطبيق ''ساهر''، بشكل صارم من خلال عقوبات، ومحفزّات، أخرى كسحب الرخصة والخضوع لبرنامج تأهيل تعليمي وتدريبي، ونفسي ومعرفي.
نعم للعلاج المروري بالتنوير والإرشاد وتشديد العقاب والردع للخطأ، وليس بالغرامات التي يتحمَّلها الآباء، لكن بالحرمان من القيادة طوال الحياة أو حتى بالحرمان من الحرية لبعض الوقت، وهو الطريق الوحيد الذي ينقل المملكة من المراتب الأولى من الدول في العدد النسبي لحوادث المرور!