الهيئة العامة للاستثمار بين الهجوم والدفاع

نجاحات الهيئة العامة للاستثمار وشعبيتها على المحك، فخلال الأشهر الماضية كتبت العديد من المقالات وأضعافها من الردود، جميعها أو لنقل 99 في المائة منها كانت تشكك في إنجازات الهيئة, أو لنفترض أنها تحاول أن تفهم ما تدعي الهيئة أنها أنجزته!
لم أكن أود الخوض في متاهات كشف حساب الهيئة العامة للاستثمار، لكن للحقيقة فإن ما نشرته صحيفة ''عكاظ'' لمناقشات الندوة المفتوحة التي تمت مع محافظ الهيئة على مدار حلقتين هذا الشهر جرتني جراً إلى هذه الحلبة، وفي هذا المقال سآخذكم في جولة مع مقتطفات مختارة مما نشر حول تلك الندوة:
1 ــ يذكر المحافظ أن من إنجازات الهيئة مبادرة إنشاء المدن الاقتصادية، وتعليقي هنا مع مرور كل هذا الوقت على تأسيس مدينة الملك عبد الله الاقتصادية, هل يمكن أن يسمى ما حدث في رابغ إنجازًا! هل يعلم معالي المحافظ كيف كانت شركة إعمار محرقة لمدخرات المساكين بسبب دعايات الهيئة ووعودها للفردوس الموعود في هذه المدينة، لقد ناديت ونادى الكثير غيري بعدم الاندفاع وراء المدن الاقتصادية وتوريط الشعب في المساهمة فيها حتى يثبت نجاحها, فكفانا تجارب وتوريطاً لصغار المستثمرين، وأرجو ألا تكون تكراراً لمصيبة القمح, فيكفينا ما جناه مزارعونا ــ صغارهم وكبارهم ــ من وراء التخبط في قرارات زراعة القمح ليتم إجبارهم على إيقاف زراعة القمح وقروضهم لم يتم سدادها بعد.
2 ــ يعدد المحافظ من ضمن إنجازات الهيئة تقليص الإجراءات المستندية لتأسيس الشركات، وتخفيض الحد الأدنى من رأس المال، ويربط معالي المحافظ ذلك بزيادة معدل تأسيس الشركات ذات المسؤولية المحدودة بنسبة 80 في المائة عن الفترة السابقة! وأعرف ويعرف القراء ويعرف المحافظ أكثر أن العلاقة السببية لا تربط بين السبب والنتيجة بتلك البساطة.
3 ــ يفتخر المحافظ بتأسيس الهيئة برنامج جامعة أكسفورد, الذي ترسل الهيئة بموجبه كل عام 40 قياديا مناصفة بين القطاع العام والخاص يقضون ثلاثة أسابيع في جامعة أكسفورد، والذي يذكر معاليه أن الهيئة بدأت بتطبيق هذا البرنامج منذ ثلاث سنوات، ومع الأسف, أن معالي المحافظ يعرف أكثر من غيره أن هذا البرنامج مبادرة خاصة ببرنامج الشمال للتنمية، وبرنامج تنمية الشمال يتحمل مشكوراً جميع التكاليف ويقوم بجميع الجهود وبمتابعة شخصية من رئيس البرنامج المهندس عبد الله الرخيص، ودور الهيئة في هذا البرنامج لا يتعدى كونها المظلة الرسمية للبرنامج، وشاركت بنفسي في البرنامج ولم أجد أدنى مشاركة من الهيئة في أي من فعالياته أو بذل أي مجهود فيه.
4 ــ من إنجازات الهيئة التي ذكرها المحافظ كذلك مبادرة التنافسية المسؤولة المتخصصة في المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص بالاشتراك مع مؤسسة الملك خالد الخيرية، التي أتمنى ألا ينطبق عليها وعلى باقي المبادرات ما تقوم به الهيئة مع برنامج أكسفورد, الذي تنسبه إليها ولا يتعدى دورها فيه المظلة الرسمية.
5 ــ تعتز الهيئة بإنجازها المتحقق في رفع التصنيف التنافسي للمملكة إلى المرتبة 13 في العام الماضي، كما حققت المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي وإفريقيا، وتقدمت على دول مثل تركيا وجنوب إفريقيا، ولا يغيب عن فطنة المهنيين والأكاديميين كيف يمكن التعامل مع التصنيفات من حيث الشكل حتى يمكن رفع مستواك التصنيفي، يحدث ذلك في تصنيف الجامعات وغيرها، المهم أن تتعامل مع التكتيك بشكل محترف مع بعض المكياج والقليل من الحقائق، والدليل حقيقة ما نراه على أرض الواقع لا ما تراه الهيئة في سماء التصنيف.
6 ــ يسرد لنا المحافظ من ضمن إنجازات الهيئة أنها جذبت عام 2009 استثمارات أجنبية بمبلغ 35 مليار دولار، وأن هذه الاستثمارات الأجنبية جذبت رساميل محلية ضخمة، ليبلغ بذلك إجمالي الاستثمارات المختلطة والأجنبية نحو 1.1 تريليون ريال، ولم يذكر لنا المحافظ أين ذهبت هذه المليارات التي لو فرشت بها مدن المملكة من فئة الـ ٥٠٠ ريال لما بقي لنا مكان للنوم فيه، وإن صحّت هذه الأرقام فلماذا لم تأت الاستثمارات قبل 2009؟ إنها حيلة النتيجة والسبب نفسها، لقد تغافلت الهيئة عن الجاذب الأكبر للاستثمارات وهو الاستقرار الاقتصادي والإنفاق الحكومي وتكلفة الطاقة.
7 ــ لقد كان الرقم الأكثر استفزازاً لي ضمن ما نشر هو عدد الوظائف التي أوجدتها الاستثمارات الأجنبية في المملكة والمختلطة وقدرها 375 ألف وظيفة، منها 101 ألف وظيفة يشغلها سعوديون، ولغة الأرقام لا تكذب, لكنها أكثر الوسائل خداعاً إذا ما استخدمت بشكل مضلل، فلو صدقت هذه الأرقام وأعيد لو صدقت أعيدوا قراءتها عندما نقول إن نسبة الأجانب 73 في المائة من شاغلي الوظائف.
8 ــ يدافع المحافظ عن مساهمة الاستثمار الأجنبي في دخل مصلحة الزكاة والدخل، فالمصلحة تجبي 7.7 مليار ريال من الضرائب على الأجانب، بينما تجبي 6.6 مليار ريال زكاة من الشركات الوطنية، لعبة الأرقام, إضافة إلى حيلة السبب والنتيجة مرة أخرى، فما الدخل المتعلق بالشركات المؤسسة من قبل الهيئة والشركات المؤسسة قبل نشأتها؟
المشكلة بين الهيئة والجمهور من المثقفين ومن العامة ومن قطاع الأعمال لم تكن في الفهم فقط، لكنها كانت مشكلة ثلاثية, أولاها المعلومات وثانيتها المصداقية وثالثتها التواصل، أخيرا بدأت الهيئة مجموعة من المبادرات للتواصل مع قطاعات الأعمال والإعلام ذكرتني بمثلنا الشعبي ''شاة طاحت في مريس''، فمقابلة هنا مع اللجان الوطنية في مجلس الغرف بعدها بيومين هناك لقاء مفتوح مع شباب الأعمال، تضاف إليها مجموعة لقاءات مع الصحف آخر ما طالعته ندوة نظمتها صحيفة ''عكاظ'' وستتواصل حملة تحسين السمعة، والسؤال هنا: لماذا لم تتواصل الهيئة مع الجماهير والمستفيدين قبل أن يتم انتقادها بشكله الذي تم؟
ألا تتساءل الهيئة لماذا لم تستطع أن تقنع الجمهور والعامة وقطاعات الأعمال بما تقوم به؟ أما أنا فأشهد للهيئة بأنها حققت نجاحات غير مسبوقة في الحملات الإعلانية لما تريد أن توصله للجمهور وليس ما يجب أن يعرفه الجمهور! وهنا يجب العمل على التوصل إلى توافق بين الطرفين، وهذا التوافق يجب أن يبدأ من الشفافية المطلوبة من الهيئة لعرض نفسها على حقيقتها دون مكياج ودون التلاعب بالألفاظ أو اللجوء إلى حيل الأرقام، فهل تستجيب الهيئة؟ هل نتوقع من الهيئة أن تعلن للعامة وتنشر على موقعها الإلكتروني المعلومات التي تبرئ ساحتها وتكف بها الغيبة عن نفسها وعن مسؤوليها؟ وفي رأيي, أن هذه المعلومات يجب ألا تقل عما يلي:
ــ معلومات تفصيلية عن التصاريح التي صدرت عنها، توضح أسماء المرخص لهم وجنسياتهم ورؤوس أموالهم والقطاعات ومواقعهم الجغرافية وسبل الاتصال بهم، مع إحصائيات كاملة حولهم.
ـــ معلومات تفصيلية عن الاستثمارات الأجنبية (المليارات التي تحدثت عنها الهيئة) والشركات المستثمرة والمشاريع والقطاعات.
ـــ الموظفون وتصنيفهم حسب الجنسيات والرواتب والمناطق الجغرافية.
ـــ معوقات الاستثمار، وما تم إنهاؤه، والإجراءات البديلة التي تمت.
ـــ المبادرات والشراكات مع الهيئة ودور كل شريك في كل منها مفصلاً.
ــ تحديث شهري لسير الأعمال في المدن الاقتصادية، ليس فيما يخص الإنشاءات فقط, لكن الأهم وهو وضع الشركات المستثمرة وسير المشاريع وحجم الاستثمارات وأعداد الموظفين فيها من السعوديين وغيرهم.
أخيراً .. فإن من حق المحسن أن يقال له ''أحسنت'' إذا أحسن، وأتمنى أن تثبت الهيئة العامة للاستثمار أنها أحسنت حتى نقول لها ''أحسنت''، آنذاك سنقول لمن يسيء إليها ''أسأت''، أما إذا استمر الحال كما هو عليه ''ونحن نسمع الجعجعة ولا نرى طحناً''، فلا تلوم الهيئة آنذاك من يطعن في إنجازات غير ملموسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي