2010: أين الحكومة الإلكترونية؟ (2 من 2)

تحدثنا في مقالة الأسبوع الماضي عن تعثر مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية في المملكة لعدة أسباب من أهمها عدم وجود خطة استراتيجية متكاملة، واستمرار عمل الجهات الحكومية بشكل مستقل وغير مترابط، مع عدم وجود خدمات إلكترونية متكاملة، كما كان مخططا له قبل حلول عام 2010، وعدم استخدام مفهوم اقتصاديات الحجم في الرخص والبرامج والأجهزة والشبكات، ما كبد، وما زال، خزانة الدولة خسائر مالية كبيرة، ورفع تكلفة امتلاك النظم على الدولة، خصوصاً فيما يخص مصروفات التشغيل والصيانة، والمعتمدة على العناصر البشرية الأجنبية، وكذلك الشركات الأجنبية، إضافة إلى عدم الالتزام بتطبيق مبادئ ومتطلبات تخطيط وإدارة المشاريع، وعدم وجود معلومات وشفافية لوضع المشروع، مع تحيز المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية في عدم فتح باب الانتقاد والتقييم الخارجي للمشروع، ولعل تركيبة اللجنة العلمية لمؤتمر وطني المكونة من موظفين من برنامج يسر، نصفهم أجانب، والباقي من الشركة المنظمة للمؤتمر، لم تسمح بذلك. ومتى ما تم النظر في تقييم وضع وتوجهات ومخاطر المشروع من قبل فريق وطني متخصص (ومستقل) بكل تجرد وحيادية وموضوعية، وعلى أساس تحمل عظم مسؤولية مهمة وأمانة تطوير أعمال قطاعات الدولة، فإنه يمكن إنقاذ المشروع وتحقيق النتائج التي تهدف إليها الدولة، حفظها الله، في هذا المجال.
من مبادئ تخطيط وإدارة المشاريع الأساسية ما يلي:
1. وجود تعريف محدد وأهداف محددة يمكن قياسها للمشروع، وهذا من أهم التحديات التي يواجهها مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية، فمشروع التعاملات الإلكترونية عرف، حسب الرؤية الاستراتيجية الوطنية للتعاملات الإلكترونية الحكومية، بأنه ''الحصول على خدمات حكومية بمستوى متميز، تقدم بطريقة متكاملة وسهلة''، وهو التعريف العالمي المتعارف عليه، بينما ما يحصل حالياً هو استمرار عمل القطاعات الحكومية بشكل منعزل (جزر منعزلة)، فلا يوجد فرق في أسلوب عمل القطاعات الحكومية بين فترة ما قبل مشروع التعاملات الإلكترونية وما بعدها، بل ما زال العمل ورقياً، إضافة إلى أن العمل أصبح أكثر تعقيداً وأكثر تكلفة على ميزانية الدولة.
2. تحديد المدة الزمنية لتنفيذ المشروع، مع تحديد تاريخ لبداية المشروع وتاريخ لنهاية المشروع. البداية الفعلية لمشروع التعاملات الإلكترونية كانت عام 2001 (وتحديداً في 10/12/1421 هـ)، عندما كلف المقام السامي جمعية الحاسبات السعودية بتطوير خطة استراتيجية لتقنية المعلومات والاتصالات للمملكة، تبعها اعتماد مجلس الوزراء للخطة وتكليف وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والاتصالات بتنفيذ الخطة عام 1424هـ، بينما نصت الرؤية الاستراتيجية الوطنية للتعاملات الإلكترونية الحكومية، المعتمدة من مجلس الوزراء، على ''أن يتمكن الجميع في نهاية عام 2010 من أي مكان وفي أي وقت من الحصول على خدمات حكومية بمستوى متميز، تقدم بطريقة متكاملة وسهلة من خلال عديد من الوسائل الإلكترونية الآمنة'', إذاً، فإن مدة المشروع المخطط لها هي تسع سنوات، وحيث إنه لم يتم إنجاز المشروع، كما في نهاية عام 2010، تاريخ نهاية المشروع، ولا توجد أي مؤشرات مطمئنة أو تأكيدات على قرب نهاية المشروع وحصد النتائج، فإن المشروع يصبح في حكم المتعثر، ما يتطلب تدخلاً مباشراً من القيادة العليا لإنقاذ المشروع حتى لا يتحول إلى مشروع مفتوح من حيث الزمن والميزانية، وهو ما يحصل حالياً Running Project.
3. تخصيص ميزانية محددة للمشروع، مع التفريق بين المصروفات الرأسمالية والمصروفات التشغيلية، وتطوير وتنفيذ خطط لنقل التقنية وتوطين المعرفة، خصوصاً في تطوير كفاءات وخبرات وطنية. وعند النظر في مشروع التعاملات الإلكترونية، فإنه لا توجد ميزانية محددة، فكل جهة حكومية على حدة، تحصل سنوياً على مخصصات مالية لتطوير أعمالها، وتعتمد على عناصر أجنبية في تنفيذ مشاريعها، ما يعني أن ميزانية المشروع مفتوحة، وفي حالة ووضع خطيرين، وهذا يشير إلى وجود خلل كبير وإخفاق مستمر في المشروع .Running Project
4. استخدام نظام لمؤشرات الأداء لمراقبة ومتابعة أداء وجودة المشروع، مع التنبيه عند حدوث مخاطر في المشروع. وبالنظر إلى الوضع الحالي لمشروع التعاملات الإلكترونية، فإن هناك عددا من المؤشرات الخارجية والمحلية التحذيرية لوجود مشكلات في المشروع مثل المراتب المتأخرة في تقييم الأمم المتحدة لمدى التقدم في تطبيق الحكومة الإلكترونية لعام 2010، حيث جاءت السعودية في المرتبة الـ 58 بين دول العالم، في حين حققت دول مثل كوريا الجنوبية والبحرين مراتب متقدمة، وبميزانيات وفترات زمنية أقل بكثير من المملكة، وعدم انتشار استخدام الوسائل التقنية البدائية، مثل البريد الإلكتروني، في تعاملات موظفي الدولة الرسمية. كما أننا ما زلنا ننتظر دوراً فاعلاً للجهات الرقابية مثل مجلس الشورى وديوان الرقابة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق في تقييم ووقف الهدر المالي والزمني في المشروع، مع عدم الاكتفاء بالاطلاع فقط على تقارير سنوية تقدمها الجهة الحكومية المسؤولة عن المشروع.
ويتمثل الحل الاستراتيجي، الذي نقدمه لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ لكيفية التعامل مع مشكلة مشروع التعاملات الإلكترونية فيما يلي:
1. نظراً لما يمثله مشروع التعاملات الإلكترونية من أهمية استراتيجية وطنية للقيادة العليا والمواطن على حد سواء، وتمشياً مع التوجهات العالمية في طريقة إدارة ومرجعية مثل هذه المشاريع، ولشمولية وتأثر وتأثير جميع القطاعات الحكومية في المشروع، ولأن المشروع يعتبر حل أعمال أكثر منه حلاً تقنياً، فإنه من المناسب والضروري نقل المشروع إلى مجلس الوزراء، مع تخصيص فريق وطني مستقل لإعادة تخطيط وإدارة المشروع، على أن يتبع الفريق المقام السامي مباشرة.
2. تشكيل فريق عمل وطني ومستقل لتقييم وضع ومسار المشروع، على أن يقوم هذا الفريق بوضع تعريف محدد لمشروع التعاملات الإلكترونية، مع تحديد الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية للمشروع، وتحديد جدول زمني واضح للمشروع، مع تحديد مخرجات المشروع، وتخصيص ميزانية محددة للمشروع، مع مراقبة ومتابعة مباشرة من قبل وزارة المالية للتأكد من الاستخدام الأمثل لهذه الموارد المالية، واستخدام نظام فاعل لمؤشرات الأداء، وذلك لمتابعة ومراقبة سير المشروع وأدائه.
ولأن مشروع التعاملات الإلكترونية مشروع دولة، يؤثر في جميع قطاعات الدولة وعلى جميع المستويات القيادية والإدارية والتشغيلية، كما له تأثير مباشر في جميع المواطنين والمقيمين، وهو مشروع لا يخص جهة حكومية واحدة أو يقتصر تأثيره على مجموعة محدودة، إضافة إلى تأثيره الواضح في مكانة وترتيب المملكة بين الدول، فبلدنا تستحق أن تكون في مقدمة الدول في كل المجالات، أحدها التميز والجودة في تقديم خدمات إلكترونية حكومية شاملة ومتكاملة، وكيف لا, وقد تم توفير الدعم المالي والمعنوي لهذا المشروع وكل المشاريع، فلا عذر مقبول لعدم تحقيق النتائج المطلوبة. وكلنا ثقة بالله ــ سبحانه وتعالى ــ ثم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ بالتدخل شخصياً لتصحيح وإنقاذ مشروع التعاملات الإلكترونية، حلم وطني، نتمنى ألا نصل إلى درجة اليأس من إمكانية تحققه.
وللحديث بقية ...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي