هل يطغى الملف السوداني على الهموم العربية في العقد الجديد

يبدو أن العقد الثاني من هذا القرن سوف ينشغل أساساً بملف السودان، فقراءة المشهد العربي يوميا تظهر أنه يبعث على الأسى، فالمشكلات تتفاقم والآمال تتراجع والعزائم تتهاوى مما يرسم صورة بائسة لا يكاد تظهر فيها نقاط للضوء إلا قليلاً. وأظن أن ملف السودان سيقفز إلى صدارة الساحة العربية، وربما ينافس الساحات المتفجرة الأخرى كالعراق وفلسطين واليمن، وربما لبنان مع نهاية هذا العام. وقد قدمت سلسلة ومتابعات مستمرة في "الاقتصادية" طوال السنوات الخمس الأخيرة، وبالتحديد منذ اتفاق نيفاشا. وقد استشعرت الخطر على السودان من باب الجنوب ثم من باب دارفور، وتابعت نموذج كوسوفو الذي طبقت عليه واشنطن نظرية الأسرة الأمريكية. لم تكن واشنطن ترعى خطوات كوسوفو نحو الاستقلال حبا في أهلها، ولكن لغرض في نفس يعقوب وكنت أظن، وكان ظني صحيحاً مع الأسف، أن السابقة في كوسوفو والتطبيق في السودان ثم في غيره من الأقطار العربية، ولذلك نبهت إلى ضرورة الحذر في قراءة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول مدى مشروعية الإعلان المنفرد باستقلال كوسوفو، خشية أن يقرأ على أنه يسوغ انفصال الأقاليم رغماً عن الدولة الأم. ثم تابعت ضغوط مجلس الأمن على الرئيس البشير ثم المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم دارفور، وتطور أنشطة الاستقلال لدى الحركة الوطنية، ونظرت والقلب ممزق إلى الجدل داخل السودان، بينما مؤامرة الانفصال تسير على قدم وساق تحت عنوان السلام في المرحلة الانتقالية، حتى كشفت واشنطن عن خطتها الصريحة في فصل الجنوب، فقدمت تحذيرات للخرطوم من التصدي للخطة، وقدمت حوافز للجنوب للمجاهرة بخط الانفصال حتى دون انتظار ليوم الاستفتاء. ثم تابعت علاقة الحركة بدارفور وإعلانها الصريح أنها ستعمل على تقرير مصير كل الشعب السوداني ضد حكومته، وفصل بقية الأقاليم عن الجسد. هكذا وضعت الحكومة في مأزق، فلا هي تستطيع عملياً منع الانفصال حتى لو أرادت، ولا هي مستعدة لمواجهة مأزق دارفور والشرق وتحول السودان إلى كتلة من اللهب. ولكن الحكومة تستطيع أن تعلن أن الحركة تفاوضت بنية الانفصال وأنها انتهكت اتفاق نيفاشا.
لكنى أظن أن الخطر أكبر من مجرد التحذير فمن ينقذ السودان مما أراه رأى العين يحيق به من كل صوب؟ لكل هذه الأسباب أتوقع أن يقفز ملف السودان كله إلى صدارة الأحداث العربية، ورأيت أن يستعد الإعلام العربي لتحديد موقفه من هذا الملف. وما دامت قناعتي ثابتة مع وحدة الأوطان العربية ثم وحدة الوطن العربي الواحد، فإنني لن أَمَلَّ من معارضة أي تقسيم لأي وطن عربي مهما كانت الذرائع لعل أجيالاً أقدر منا يدفع بها القدر إلى ساحتنا فتنظر فيما نكتب اليوم، ويكون ذلك برنامج الإنقاذ عندها غداً.
وأخيراً، أرجو أن تكون متابعتي الحثيثة لشؤون السودان وكثرة أسفاري إليه واتصالي بقضاياه هي السبب في تقديم صورته على النحو الذي يسبق فيه الإشفاق على العمانية، وآمل أن يكون عرضي متسماً بمبالغة الخائف على من يحب والجزع لما قد يصيبه، ولكني أصارحكم بأن مخاوفي قائمة على وقائع، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي