فوضى اليوم الوطني

اليوم الوطني هذا اليوم الذي كان غائباً علينا منذ زمن، لم يكن يعرف كثيراً منا ولم يك بعضنا يعرفه، خصوصا لمَن لا يتابعون وسائل الإعلام، بل حتى أولئك الذين يتابعون تلك الوسائل كانوا لا يعرفون عنه سوى بعض الأغاني والكلمات الوطنية والإعلانات التي تظهر في الصحف بشكل تقليدي، أما اليوم فقد أصبح اليوم الوطني أحد أيام السنة المعروفة، ليس لأنه إجازة رسمية فقط، بل لأن معناه أصبح أكثر وضوحاً من ذي قبل، ففي مثل هذا اليوم من عام 1351هـ الموافق 1932م سجل التاريخ مولد هذا الوطن المعطاء بعد ملحمة تاريخية قادها بشجاعة وتفان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – حيث أعلن في 23 من سبتمبر قيام المملكة العربية السعودية.
وعندما نتذكر مثل هذا اليوم فنحن نتذكر إنجازاً وبطولة لا شغباً وفوضى، ونتذكر عملاً مخلصاً لا تأخراً وفساداً، فهو يوم كان فيه إخلاص وعمل وجهد وتحدٍ وإبداع، وهذا ما يجب أن نستوحيه من هذا اليوم، وهذا ما تؤكده وسائل الإعلام من خلال ما نسمعه من كلمات وما نقرأه من مقالات وما نراه من فعاليات منظمة في بعض مناطق المملكة، إذ حرصت بعض الجهات الحكومية على تخصيص أماكن للاحتفالات وعقد بعض الندوات الثقافية، وهناك جهات نظمت قوافل ومسيرات شاركت فيها فئات مختلفة من أفراد المجتمع، وقد كانت مثل تلك الفعاليات نموذجاً جميلاً للاحتفال بذكرى هذا اليوم الوطني.
في المقابل شهدت بعض المدن فوضى لا مثيل لها من تخريب ممتلكات عامة وإغلاق شوارع ورشق سيارات بالحجارة واستهتار بالنظام وخلق فوضى وشغب في بعض الأسواق التجارية، وإغلاق شوارع رئيسة في وسط المدن بالسيارات وتحويلها إلى ساحات رقص. وقد نشرت الصحف مثل هذه الأحداث، ففي تبوك تم احتجاز 15 شاباً قاموا بأحداث شغب، وفي الرياض اقتحم شباب بعض الأسواق التجارية وعاثوا فيها فسادا، وفي الطائف تم تغريم 37 مركبة وملاحقة 40 ممن تسببوا في الفوضى، وفي المدينة قام مئات من الشباب بأحداث شغب حطموا خلالها زجاج قرابة 50 سيارة، وفي المنطقة الشرقية أوقف عدد من الشباب والشابات لقيامهم بممارسات مخالفة للنظام في اليوم الوطني، وفي جدة تعطلت حركة السير في كثير من الشوارع الرئيسة من جرّاء تصرفات بعض الشباب الذين قاموا بإيقاف سياراتهم وسط الطريق والرقص في وسط الطرق وذلك في تحدٍ سافر لرجال المرور، وغيرها من التصرفات التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها لا تليق بشباب وشابات هذا الوطن في ذكرى اليوم الوطني.
لقد شعرت وأنا أشاهد مثل تلك التصرفات أن هذه الذكرى الوطنية الغالية أصبحت كابوساً مرعباً من خلال تلك التصرفات، ويجب أن يتم الوقوف تجاهها بصرامة وجدية وألا نجعلها تمر مرور الكرام ونعتبرها تصرفات من شباب طائش، إنها تصرفات شغب تصل إلى حد إرهاب الناس في ذكرى يومهم الوطني والذي كان من المفترض أن يلهم هؤلاء بذكرى توحيد هذا الوطن لا إرهابه وتشتيته بمثل أفعال الشغب التي لم تكد تسلم منها مدينة من مدن المملكة.
لقد فرحنا بإحياء ذكرى اليوم الوطني في نفوس أفراد المجتمع بعد أن كانت نسياً منسياً، ولكن للأسف فإن فئة من المجتمع أبت إلا أن تشوّه هذه الذكرى بمثل هذه التصرفات الشاذة مثلما أرادت فئة أخرى أن تنكر مثل هذا الاحتفال. وحتى لا تفسد علينا هذه الفئة مثل هذه المناسبة السنوية، فإنه يجب علينا أن نقف لها بالمرصاد، وأن نحاسب محدثي الشغب ونعاقبهم حتى لا يتكرر الأمر من غيرهم وأن تكون العقوبات الصادرة تجاههم هي عقوبات ترتبط بالقيام بأعمال بناء في سبيل أوطانهم، كما يجب أن نحرص على أن ننمي في نفوس هؤلاء معنى مفهوم الوطنية والتي عجزت مناهجنا عن تأصيله، وذلك من خلال أساليب تفاعلية مشوقة لهؤلاء الشباب تظهر كشواهد من خلال أفعال بناءة وإنجازات حضارية ومشاريع نموذجية يقدمونها لأوطانهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي