ماذا؟ أراضٍ صغيرة ومملكتنا قارة!
كتبت كثيراً ودعوت إلى أن يتم تشجيع المطورين على توفير قطع الأراضي السكنية الصغيرة في التجمعات الحضرية والمدن الكبرى، وإيجاد التنظيمات والاشتراطات التخطيطية والتصميمية التي تمكنهم من تخطيط أحياء سكنية بقطع أراضٍ صغيرة، وتمكن المطورين والأفراد من بناء وحدات سكنية صغيرة. كما دعوت إلى تصغير مساحة قطع منح الأراضي إلى ثلث المساحة في المدن الرئيسية والكبرى مع توفير كامل باقة الخدمات والمرافق اللازمة لسكان أحياء المنح السكنية، وربطها ببرامج تمويل ميسرة ومتوافقة مع إمكانيات الأسر المالية، ليتمكن المستفيدون من بناء مساكن صغيرة تحقق الاحتياج الحقيقي للأسر السعودية. ولكن ما لفت انتباهي وباستمرار، ووجدت فيه كثيرا من الغرابة؛ تكرار انتقاد مبدأ المطالبة بتوفير قطع أراضٍ سكنية صغيرة في المدن الرئيسية، والاعتراض عليه، بحجة أننا نعيش في مملكة تبلغ مساحتها قرابة (مليونين ومئتي ألف كيلومتر مربع)، وهي بهذه المساحة تكاد أن تكون قارة، وهذا صحيح فوطننا - ولله الحمد على كريم منّه وفضله - شاسع المساحة.
ولكني أتساءل: ماذا يريد هؤلاء المنتقدون ومن ينسج على منوالهم ويوافقهم الرأي؟ هل يريدون أرضاً صغيرة يستطيعون تحمل تكلفة امتلاكها وبناء مسكن ملائم عليها، يضمنون بامتلاكه استقرار أسرهم النفسي والاجتماعي؟ أم يريدون أرضاً كبيرة يقضون نصف عمرهم الوظيفي في توفير تكلفة امتلاكها، والنصف الآخر في توفير تكلفة بنائها؟ كما أتساءل أيضاً: هل يريدون منحة أرض سكنية تبلغ مساحتها (ألف متر مربع) أو أكثر في إحدى مناطق ''مملكتنا القارة'' ولكنها تبعد عن أقرب مدينة عشرات الكيلومترات؟ في مناطق ومخططات غير مطورة (لا يتوافر فيها الكهرباء، ولا الماء، ولا الصرف الصحي، ولا السفلتة، ولا الرصف، ولا الإنارة، ولا المدارس، ولا الحدائق، ولا أي نوع من أنواع الخدمات)، وهم - فوق ذلك كله - يعلمون بأنه لا يمكن توفير هذه الخدمات والمرافق ولا حتى بعد العشرات من السنين، أم يفضلون أرضاً سكنية مساحتها مئتا متر مربع تقع في مخطط سكني نموذجي (تتوافر به السفلتة، والرصف، والتشجير، والإنارة)، وتتوافر به المرافق الأساسية جميعها (من: مساجد، ومدارس، وحدائق، وغيرها)، وبه كامل مرافق البنية التحتية (من: كهرباء، وماء، وصرف صحي، وشبكة اتصالات)، مع تمكينهم من الوصول إلى مصادر تمويل ميسر، تتوافق مع إمكانياتهم المالية، وقت منحهم قطع الأراضي مباشرة، حتى يتمكنوا من بناء مساكن تحقق المتطلبات الأساسية لأسرهم (من: غرف معيشة، وغرف نوم، وخدمات) بعيداً عن المبالغة في المساحات والفراغات الكبيرة المخصصة فقط للتباهي أمام الزوار والضيوف. إنها أسئلة يتعين التفكير فيها قبل الخوض في المطالبة بأراضٍ كبيرة ضمن مساحة ''مملكتنا القارة''؛ لأن الأرض لا تصبح سكنية وذات قيمة إلا إذا توافرت بها المرافق والخدمات، وأصبحت ضمن مسافة مقبولة لساكنيها من أماكن العمل والدراسة وبقية الخدمات المدنية، وإلا فهي أرض بور، ليست ذات قيمة، ولا يمكن أن تستخدم للسكن.
أستاذ العمارة والإسكان.