أمريكا دون عمال
"إن رفع قيمة اليوان الصيني الذي يطالبنا به الأمريكيون لن يؤدي إلى عودة الوظائف إلى أمريكا، موضحا أن الشركات الأمريكية لم تعد تصنع المنتجات التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة" "رئيس الوزراء الصيني"
من المهم جدا للوصول إلى رؤية واضحة حول الأوضاع الحالية ألا تكون القراءات بعيون الماضي، فلا يمكن أن نشرح ظواهر اليوم بتاريخ الأمس. هنا أعود إلى القراءات الاقتصادية لمفهوم العاطلين عن العمل والتي خلقت لكي تثير الرعب إذا ما تجاوزت نسبة معينة. لكن ما هو الرقم الذي من المفترض أن يثير فينا القلق، وهل فعلا نحن نسأل السؤال المناسب فيما يتعلق بتلك البيانات؟ .. أي هل المسألة تقتصر فقط على الرقم دون تحليل ما في داخل الظاهرة نفسها .. أي ظاهرة تغيير الأعمال والأمزجة؟ .. فإذا كنا نشاهد أن الأوضاع تتغير فإنه من الأولى بداية أن نعيد صياغة مفهوم العاطل نفسه. فإذا كان البشر يتكاثرون فبالطبع ستتزايد احتياجاتهم المختلفة وسيبقى طور الأعمال يسير في اتجاه تأمين الضروريات. لكن إن كنا سنتكلم عن اقتصاد السوق الحرة فهو الأكثر إبداعا لإنتاج البطالة، فحرية السوق تتسلح بكل الأساليب الممكنة من أجل المنافسة واكتساح الأسواق والقضاء على الخصوم. فأصحاب الأعمال هم في منافسة شديدة مع بعضهم لتحقيق أعلى نسبة من الأرباح، والسبيل الوحيد هو تخفيض تكلفة الإنتاج إلى أدنى مستوى ممكن وزيادة إنتاجية العمل إلى أعلى نسبة ممكنة. ومنها نقل المصانع ومقار الشركات إلى أسواق ذات عمالة رخيصة مثل: الصين وفيتنام، وبالتالي ستخسر الدولة تشغيل أيدٍ عاملة في أراضيها. ومن بين الأمور التي تجب مراعاتها في توقعاتنا لإعداد الوظائف ونوعية الموظف المستقبلي, هي في إحلال الرأسمال الثابت أو قوى العمل الجامدة كالمكنات والآليات محل رأس مال المتبدل، أي قوى العمل الحية، أي العامل الإنساني.
فلذلك، قد يحق لنا الارتياب بتصريحات من قبيل خفض أعداد العاطلين عن العمل، فالإنتاج في عصر التكنولوجيا هو في خفض أعداد العمال، والأجدر النظر إلى أي نوعية من الأعمال تحتاج إليها البلدان وكفاءة العامل المستغنى عن خدماته. إن الإنتاج في عالم التكنولوجيا الحديثة ليس فقط شارعاً أحادي الاتجاه، ففي حين تستطيع التقنية الجديدة الحلول محل العمال في مصنع واحد، فإن الصناعات الحديثة هي في عملية تطوير مستمر، ولذلك فإنه ستتم باستمرار إعادة توظيف العمال ومن ثم تسريحهم. وعلى الرغم من أن المعدلات يمكن أن ترتفع أو تنخفض، تظل البطالة نفسها مظهراً دائماً من مظاهر العصر. ولن تكون بعد الآن مترافقة فقط مع اندلاع أزمة اقتصادية، بل ستكون ظاهرة متماشية مع تطور أساليب الصناعة، ولن نستطيع التخفيف من حدة تلك الظاهرة قبل أن نشخص أوضاع كل بلد واحتياجاته المحلية.
إن العاطلين عن العمل هم أكثر من مجرد فئات من الاحتياط الدائم الجاهز للعمل عند الاستدعاء، يمكن للرأسمال أن يستدعيه للخدمة في جميع الأحوال والأوقات، إنهم أيضاً يشكلون عامل ضغط دائما على أجور أولئك الذين يعملون، دافعين إياهم إلى العمل أكثر وبأجر أقل, بسبب الخوف الشديد من فقدان الوظيفة لمصلحة أناس آخرين. وهكذا تتحكم في أجور العمال والموظفين الحاليين الذين هم على رأس عملهم، أعداد الاحتياطي من العاطلين الذين يستغل وجودهم لزيادة مكاسب مؤسسات الإنتاج.