في الذكرى الـ 50 لميلاد «أوبك».. بعض الحقائق
في 14/9/2010م مرت الذكرى الخمسون لتأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفطOrganization of the Petroleum Exporting Countries التي اشتهرت باسمها المختصر المشتق من أسمها الإنجليزي وهو ''أوبك''. وبهذه المناسبة أبدى بعض الكتاب والمعلقين آراء شتى حول دور المنظمة وإنجازاتها ومستقبلها. وأود في هذا المقال أن أسلط بعض الضوء على الأداة القانونية التي اتخذتها الدول المؤسسة لإخراج المنظمة إلى حيز الوجود. وتحسن في البداية الإشارة إلى أن التفكير الجدي لإنشاء المنظمة بدأ خلال مؤتمرات النفط العربية التي كانت تنظمها جامعة الدول العربية بصورة دورية سنوية ابتداء من عام 1959م، وقد حضرت فنزويلا وإيران هذه المؤتمرات كمراقبين. فمن رحم هذه المؤتمرات ولدت فكرة إنشاء منظمة للدول المصدرة للنفط، إذ اجتمع الشيخ عبد الله الحمود الطريفي المدير العام لشؤون الزيت والمعادن في السعودية آنذاك ـــ الذي أصبح بعد ثلاثة أشهر من تأسيس المنظمة أول وزير بترول سعودي، وخوان بابلو بيريز الفرنسو، وزير المناجم الفنزويلي، وأصدرا تصريحاً مشتركاً في 13/5/1960م يوصي الدول المصدرة للنفط بانتهاج سياسة موحدة لحماية مصالحها المشروعة، ويطرح فكرة إنشاء منظمة تهدف إلى تحقيق هذه الغاية، وبدأت الدول المصدرة للنفط في التحرك جدياً لإنشاء المنظمة عقب قيام الشركات النفطية بتخفيض أسعار النفط مرتين خلال مدة قصيرة، حيث كان التخفيض الأول في نيسان (أبريل) عام 1959، وكان التخفيض الثاني في آب (أغسطس) عام 1960م فأحست الدول النفطية بالخطر الذي يهدد مصالحها؛ فاجتمع ممثلو السعودية وفنزويلا وإيران والعراق والكويت في بغداد في الفترة من 10 إلى 14 أيلول (سبتمبر) عام 1960، وقرروا تأسيس المنظمة. لكن الدول المؤسسة لم تتبع الطريقة التقليدية المتبعة في إنشاء المنظمات الدولية الحكومية، وهي إبرام معاهدة أي اتفاقية تبرمها الدول المعنية، وتعتبر هذه المعاهدة دستور المنظمة الذي ينظم ويحكم وجودها ونشاطها لأنها تحدد أهداف المنظمة وشروط اكتساب العضوية والانسحاب منها، كما تحدد أجهزتها وهيكلها الإداري وكيفية اتخاذ القرارات وكيفية تعديل المعاهدة المنشئة للمنظمة، وغير ذلك من الأمور التي تتصل بالمنظمة كشخص قانوني دولي قادر على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات. فمنظمة أوبك لم تنشأ بهذه الطريقة التقليدية أي لم تنشأ بموجب معاهدة، وإنما نشأت بموجب قرار اتخذته الدول المؤسسة خلال اجتماع بغداد، ففي هذا الاجتماع أصدرت الدول المجتمعة ثلاثة قرارات، الأول تحت رقم (1/1) وكان نصه كما يلي:
1 ـــ إن الأعضاء لا يمكنهم أن يبقوا غير مبالين تجاه الموقف الذي تتبناه شركات النفط في إجراء تغييرات في أسعار النفط.
2 ـــ سيطلب الأعضاء من شركات النفط المحافظة على أسعار ثابتة وبعيدة عن كل تذبذب لا ضرورة له، وسيعملون بكل الوسائل المتيسرة لديهم ليعيدوا الأسعار الحالية إلى المستويات التي كانت سائدة قبل إجراء التخفيضات وسيضمنون أنه في حالة ما إذا نشأت ظروف جديدة تستوجب ـــ وفقاً لتقدير شركات النفط ـــ إجراء تعديل على الأسعار، فعلى الشركات المذكورة أن تجري مشاورات مع العضو أو الأعضاء الذين يمسهم الموضوع لكي تشرح الظروف شرحاً وافياً.
3 ـــ يدرس ويشرع الأعضاء نظاماً يضمن استقرار الأسعار وتنظيم الإنتاج بعد الأخذ في عين الاعتبار مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، وضرورة ضمان دخل ثابت للبلدان المنتجة وتجهيز كفؤ واقتصادي ومنظم من هذا المصدر من مصادر الطاقة للبلدان المستهلكة، ومردود عادل لأولئك الذين يستثمرون رساميلهم في الصناعة النفطية.
4 ـــ إذا حصل نتيجة تنفيذ أي قرار اتخذه المؤتمر بالإجماع أن قامت أحدى الشركات المعنية باتخاذ أي إجراء بشكل مباشر أو غير مباشر ضد واحد أو أكثر من البلدان الأعضاء، فإن على أي عضو آخر ألا يقبل أي عرض يعود بالمنفعة عليه وحده، سواء كان ذلك بشكل زيادة في الصادرات أو رفع للأسعار، تقدمه إليه الشركة أو الشركات بقصد عرقلة تطبيق القرار الجماعي الذي توصل إليه المؤتمر.
وكان القرار الثاني تحت رقم (1/2) وهو الخاص بإنشاء المنظمة وكان نصه كما يلي:
1 ـــ بغية تنفيذ نصوص القرار رقم (1) يقرر المؤتمر إنشاء منظمة دائمة تسمى منظمة الأقطار المصدرة للنفط، تقوم بإجراء مشاورات منتظمة بين أعضائها لغرض تنسيق وتوحيد السياسات النفطية للأعضاء، ومنها تقرير الموقف الذي يجب أن يتخذه الأعضاء وذلك عندما تتطلب الظروف المشار إليها في الفقرة (2) من القرار رقم (1).
2 ـــ إن الأقطار الممثلة في هذا المؤتمر هم الأعضاء المؤسسون لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط.
3 ـــ يحق لأي بلد يصدر كمية وفيرة من النفط الخام أن يصبح عضوا جديدا إذا وافق على ذلك أعضاء المنظمة الخمسة المؤسسون بالإجماع.
4 ـــ إن الهدف الأساس للمنظمة هو توحيد السياسات النفطية للبلدان الأعضاء، وتقرير أحسن السبل لحماية مصالح البلدان الأعضاء منفردة ومجتمعة.
5 ـــ تعقد المنظمة اجتماعين في السنة على الأقل، ويجوز لها أن تعقد أكثر من اجتماعين إذا دعت الضرورة لذلك، على أن يكون الاجتماع في عاصمة أحد البلدان الأعضاء أو في أي مكان مناسب آخر.
6 ـــ أ ـــ تؤسس سكرتارية لمنظمة البلدان المصدرة للنفط لتنظيم وإدارة أعمال المنظمة.
ب ـــ تؤلف لجنة فرعية مما لا يقل عن عضو واحد من كل بلد من البلدان الأعضاء تجتمع في بغداد في موعد لا يتجاوز اليوم الأول من شهر كانون الأول عام 1960، وتقوم بصياغة مسودة القواعد المتعلقة بهيكل السكرتارية وواجباتها وتقديمها إلى المؤتمر وإعداد ميزانية السكرتارية للسنة الأولى واختيار مقر مناسب للسكرتارية.
وكان القرار الثالث تحت رقم (1/3) ونصه كما يلي:
1 ـــ على الأعضاء المشاركين في هذا المؤتمر أن يقدموا القرارات إلى الجهات المعنية في بلدانهم لغرض المصادقة عليها، وعليهم حال حصولهم على المصادقة أن يخطروا رئيس الاجتماع الأول للمؤتمر بهذه الموافقة.
2 ـــ على رئيس المؤتمر أن يعين بالاتفاق مع الأعضاء الآخرين، تاريخ ومكان الاجتماع المقبل للمؤتمر.
وفي الاجتماع الثاني الذي عقدته الدول المؤسسة للمنظمة في مدينة كاراكاس، عاصمة فنزويلا، في الفترة من 15 إلى 21 كانون الثاني (يناير) عام 1961 وافقت الدول الأعضاء على قبول قطر عضواً جديداً في المنظمة، كما وافقت على دستور المنظمة الذي أدخلت عليه بعد ذلك عدة تعديلات بموجب قرارات اتخذها مؤتمر المنظمة الذي يعد أعلى سلطة فيها.
ويرى الدكتور محمد طلعت الغنيمي ـــ يرحمه الله ـــ وكان أحد كبار الفقهاء العرب في مجال القانون الدولي واستاذاً في كلية الحقوق في جامعة الإسكندرية، أن منظمة أوبك، وإن كانت قد نشأت بناء على القرار الذي أصدره المؤتمر الأول ولم يتخذ شكل المعاهدة التقليدية، إلا أنه ليس من مانع ـــ فنياً ـــ من أن نسمي هذا القرار معاهدة لأنه حاز تصديق السلطات المختصة في الدول المعنية، بيد أن هذا لا ينفي أن منظمة أوبك نشأت بطريقة خاصة ليست هي الإجراء العادي المتبع.
ولعل السبب في إنشاء منظمة أوبك بهذه الطريقة يرجع إلى أن الأضرار التي لحقت بالدول المجتمعة في مؤتمر بغداد جراء تخفيض الشركات أسعار النفط، دفعتها إلى الاهتمام بالموضوع؛ وهو إنشاء المنظمة بطريقة عاجلة دون مراعاة للشكل القانوني المعتاد، حتى تضمن وجود الإطار اللازم لتنسيق جهودها في مواجهة تعسف الشركات النفطية العالمية.
تبقى ملاحظة أخيرة في هذا الشأن أشار إليها الدكتور الغنيمي وهي أن تسمية المنظمة بـ (منظمة الأقطار) وليس بـ (منظمة الدول) روعي فيها أن بعض الأعضاء لم تكن آنذاك دولاً مستقلة أو مكتملة الشخصية القانونية الدولية، وكان هذا حال الكويت وقطر وقت أن انضمتا إلى عضوية المنظمة.
ويضيق المجال هنا عن بيان إنجازات وإخفاقات ''أوبك''، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أربع حقائق، الأولى أن المنظمة حققت تضامناً معنوياً وسياسياً بين الدول الأعضاء عند نشوب أي خلاف أو نزاع بين بعض أعضائها والشركات النفطية العالمية العاملة في أقاليمها. والحقيقة الثانية أن المنظمة استطاعت عن طريق إعداد الدراسات والبحوث الاقتصادية والقانونية المعمقة عن صناعة النفط العالمية أن تكسر احتكار الشركات النفطية العالمية لفهم قضايا هذه الصناعة، كما أن هذه الدراسات والبحوث ساعدت الدول الأعضاء في نضالها من أجل استعادة السيطرة على ثرواتها النفطية.
الحقيقة الثالثة، أن المفاوضات التي أجرتها دول المنظمة مع شركات النفط العاملة في أقاليمها سواء بصورة فردية أو جماعية بشأن تعديل عقود الامتيازات النفطية أو المشاركة في ملكية هذه الشركات قد تمت بناء على قرارات المنظمة وبتفويض منها وكانت نتائج كل مرحلة من مراحل هذه المفاوضات ترفع إليها. وفي كل مرة تتعثر فيها المفاوضات بسبب تشدد الشركات في مواقفها كانت المنظمة تصدر الإنذارات بأنها ستتخذ الإجراءات المناسبة والضرورية إن لم تستجب الشركات لمطالب الدول الأعضاء. وفي ظل دعم المنظمة استطاعت الدول الأعضاء تحقيق كثير من مطالبها.
الحقيقة الرابعة أن المنظمة شهدت خلال السنوات الماضية من عمرها خلافات حادة بين أعضائها لاختلاف توجهاتهم السياسية والاقتصادية لكنها استطاعت تجاوز هذه الخلافات وأصبحت الآن أكثر حنكة في مجال تنظيم الإنتاج والدفاع عن المصالح المشتركة للدول الأعضاء.
وأخيرا سلام على عبد الله الطريقي، الذي كان مع الوزير الفنزويلي بيريز الفرنسو، القوة المحركة والدافعة إلى إنشاء هذه المنظمة العتيدة.