لماذا نحتفل بذكرى اليوم الوطني ..؟!
في مثل هذا اليوم من عام 1351هـ 1932، سجل التاريخ مولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – على مدى اثنين وثلاثين عاماً بعد استرداده لمدينة الرياض عاصمة ملك أجداده وآبائه في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م .
وفي 17 جمادى الأولى 1351هـ صدر مرسوم ملكي بتوحيد الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية ، واختار الملك عبد العزيز يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23 سبتمبر 1932 م يوماً لإعلان قيام المملكة العربية السعودية ، وتوحيدها ، وهو ما اتفق على تسميته باليوم الوطني.
فلماذا نحتفل بذكرى اليوم الوطني ..؟
إن القراءة السريعة للمعجزة التاريخية التي تحققت على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل – يرحمه الله – تجعل الإجابة عن هذا التساؤل واضحة وجلية في النقاط التالية :
أولاً : للحفاظ على المنجز التاريخي العظيم الذي يتمثل في قصة استعادة البطل عبد العزيز ملك آبائه، وأجداده، وفي تحقيقه – طيب الله ثراه – للمعجزة الكبرى المتمثلة في توحيد أجزاء المملكة ، ومناطقها ، وقبائلها تحت راية التوحيد ، وفي تأسيسه للدولة الحديثة ، وفي منجزاته العديدة مثل: توطين البادية، وتشجيع التعليم، وإرسال البعثات، وإنشاء الوزارات والدوائر الحكومية، وتوسعة الحرمين، وخدمة بيت الله الحرام، واستقدام الشركات للتنقيب عن البترول، وتكريره، وإنشاء شبكات الطرق، وشبكة المواصلات والاتصالات..وغيرها...وغيرها من المنجزات التاريخية، والحضارية التي تدل على إخلاص الملك المؤسس، وبعد نظره، وصفاء نيته، وقوة عزيمته.
ثانياً : للحديث عن شخصية البطل العظيم الملك عبد العزيز الذي كان وراء هذا الإنجاز، وللاعتراف بفضله، وفضل رجاله الميامين، فقد كان من أبرز صفاته - رحمه الله - أنه كان مؤمنا عميق الإيمان. وكان يملك خبرة واسعة بشؤون دينه، وكان حكيما يعمل عقله في كل حركة من حركاته، وشجاعاً إلى درجة كبيرة ، فلا يتردد في خوض المعارك، وقائداً عسكرياً موهوباً يجيد رسم الخطط الحربية وتنفيذها ، وخبيرا بالمجتمعات البدوية والحضرية في شبه الجزيرة العربية، وشديد التمسك بأحكام الدين ، فهذه الصفات كانت من أسباب توفيقه في مشروعه الكبير، ومثالاً يحتذى لأبنائه البررة.
كما حقق الملك عبد العزيز إنجازات كبيرة في مجال إقرار الأمن والمحافظة على النظام في الدولة لتوفير الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين فضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن أو الإخلال بالنظام حتى أصبحت هذه البلاد مضرب المثل في جميع الأوساط الدولية على استتباب الأمن والاستقرار .
فقد كانت الحالة الأمنية في شبه الجزيرة العربية قبل الملك عبد العزيز في أوضاع يرثى لها من التسيب والانفلات، وكانت طرق الحج بشكل خاص تعج باللصوص وقُطَّاع الطرق الذين كانوا يهاجمون قوافل الحجاج ويسلبونها ويعتدون عليها وكان الحج في تلك الأيام مغامرة لا يدرك الحاج معها ما إذا كان سيعود أم لا.
وجاء الملك عبد العزيز وأعلن تطبيق شريعة الله وهي شريعة الأمن والأمان للمجتمع الإسلامي، وبهذا التطبيق قضى على عصابات اللصوص وقُطَّاع الطرق ، واجتث شرورهم من جذورها، ونشر الأمن الشامل في جميع الربوع التي تتألف منها مملكته وصار هذا الأمن مضرب الأمثال في بلاد العالم الأخرى تروي عنه الروايات، كقصة الجمل الذي فقده صاحبه والذي جاب مناطق عديدة وهو محمل بالأرزاق حتى عثر عليه صاحبه ووجد أن أرزاقه كاملة لم ينقص منها شيء.
وهكذا عرفت المملكة العربية السعودية حالة مثالية من الأمن منذ تأسيسها، وظل هذا الأمن وسيظل - بإذن الله - صفة مميزة لها.
ثالثاً : لكي تستلهم الأجيال الحاضرة الدروس والعبر من قصة الكفاح والتوحيد التي خاضها الملك المؤسس، فمن التاريخ يستلهم الناس الدروس، والعبر التي تفيدهم في بناء حاضرهم ، ومستقبلهم ، وتجعلهم يبدؤون من حيث انتهى أسلافهم.
وفي بداية التأسيس كانت المملكة تعيش أوضاعاً اقتصادية ضعيفة ، بحكم موقعها الجغرافي، وطبيعة المناخ السائد في معظم مناطقها، إلا أن الله أنعم عليها في عام 1357هـ / 1938، حيث تم استخرج النفط بكميات تجارية في المنطقة الشرقية، ما ساعد على ازدياد الثروة النقدية التي أسهمت في تطوير المملكة وتقدمها وازدهارها، وأنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي بعد أن بدأت العملة السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين عملات الدول الأخرى ، واشترت الدولة الآلات الزراعية ووزعتها على الفلاحين للنهوض بالزراعة .
وأنشئت الطرق البرية المعبدة، ومد خط حديد ليربط الرياض بالدمام، وتم ربط أجزاء البلاد بشبكة من المواصلات السلكية واللاسلكية ، ووضع نواة للطيران المدني بإنشاء الخطوط الجوية العربية السعودية عام 1945، ومد خط أنابيب النفط من الخليج إلى موانئ البحر الأحمر، وافتتحت الإذاعة السعودية عام 1368 هـ / 1949، واهتم المؤسس ـ رحمه الله ـ بمحاربة المرض وتوفير الخدمات الصحية، فأنشئت المستشفيات والمراكز الصحية في مختلف مدن المملكة.
وبلا شك فإن المنجز التاريخي والحضاري الذي حققه الملك عبد العزيز على ثرى هذه الأرض الطاهرة هو المدرسة الأولى لانطلاقة أبنائه البررة، وأبناء شعبه بهذه البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات.
فنحن ـ جميعاً ـ حكاما ومحكومين سنظل نتعلم في مدرسة عبد العزيز، ونستلهم من شخصيته العظيمة، وكفاحه، ونجاحه أهم الدروس التي تفيدنا في مواصلة مسيرة التقدم والبناء الحضاري والاجتماعي والاقتصادي .
رابعاً: للاستعانة باستعادة هذا التاريخ على بناء حاضر البلاد والتخطيط لمستقبلها الزاهر - بإذن الله ـ وهذا ما يفعله كل من تولى الملك من أبنائه الميامين ـ فقد شهدت بلادنا تطوراً ملحوظاً في عهد كل ملك من أبناء المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ، فهم يتبارون في استلهام مسيرة والدهم ، والسير على خطاه في تنمية البلاد وتطورها، والأخذ بكل جديد ـ بما لا يتنافى ومبادىء الشرع الحكيم ـ لتحقيق المزيد من الرخاء والازدهار لشعبها .
فمنذ عهد الملك سعود، مروراً بعهد الملك فيصل ، ثم عهد الملك خالد ، وعهد الملك فهد ـ يرحمهم الله جميعاً، وصولا إلى عهد قائد مسيرة الإصلاح والتحديث الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ والمملكة العربية السعودية تسير في مدارج الرقي والتطور السريع الذي لفت إليها أنظار العالم ، وجعلها ـ بتوفيق من الله ـ في مصاف الدول المؤثرة التي لها حضور قوي في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
وستظل بلادنا الغالية تستمد قوتها وعزمها من الله تعالى، ثم من تاريخها العظيم الذي يتجسد في اليوم الوطني. وبالله التوفيق