الدعوة لحرق المصحف الشريف وتهافت دعاوى الحقوق المدنية!

أثار إعلان القس الأمريكي المتطرف تيري جونز، ( راعي كنيسة إنجيلية صغيرة في بلدة جينسفيل في ولاية فلوريدا‏) قبل أن يتراجع عنه، والذي لا يزيد أتباع كنيسته على 50 شخصًا، اعتزامه حرق القرآن الكريم، علنًا؛ إحياء للذكرى التاسعة لاعتداءات‏ 11 من‏ أيلول (سبتمبر)، حفيظة منصفي العالم، والبقية الباقية التي لم تلوثها الشعارات الزائفة لمروجي حقوق الإنسان، والحقوق المدنية والسلم الاجتماعي العالمي، وهي منهم براء...!
جاء هذا التطور الغامض بعد تباينات عدة من الشد والجذب بين الإدارة الأمريكية والقس المغمور‏,‏ وبدا كأن الأمر توزيع أدوار بين الجميع! حيث اكتشفت الإدارة الأمريكية صدفةً، عدم أحقيتها دستوريا بإلغاء خطط جونز! لأن ذلك يُعد اعتداءً على حريته الشخصية وحرية التعبير وفقا للدستور الأمريكي‏!! أو هكذا تم تسويق الحدث إ‍لى المسلمين في أنحاء المعمورة! فما كان من الإدارة الأمريكية إلا أن مارست ضغوطًا معنوية (ناعمة) على جونز وصلت إلى حد بحث إصدار قرار غير مسبوق من وزارة الدفاع‏ - ‏البنتاجون‏ -‏ تطالب فيه جونز بالتخلي عن خططه الخاصة بحرق المصحف‏!
واستمرارًا للضغوط الناعمة جدًا التي مارستها الإدارة الأمريكية؛ أعلن المتحدث باسم بلدية جينسفيل بوب وودز، أن مسؤولي المجموعة الدينية سيرتكبون‏,‏ بإحراقهم المصحف مخالفة للمادة ‏10-63‏ في قانون البلدية التي تحظر إشعال النيران في الهواء الطلق ويمكن أن يحكم عليها بغرامة قدرها ‏250‏ دولارًا‏!! وأضاف أنه قد تجري اعتقالات‏,‏ موضحا أن الأمر سيكون مرتبطا بما سيحدث بعد تدخل رجال الإطفاء والشرطة في جينسفيل لإخماد النار‏!! ثم تفتق ذهن البعض الآخر عن مبادرات ومبادرات ذات العلاقة، آخرها اقتراح الملياردير الأمريكي دونالد ترامب، شراء موقع مركز قرطبة الإسلامي المزمع إنشاؤه بجوار أرض مركز التجارة العالمي، بزيادة ‏25 في المائة‏ عن السعر المطلوب‏، بوصفه أحد سكان نيويورك ومواطنا أمريكيا‏,‏ لا لأنه يعتقد أن الموقع مذهل‏,‏ ولكن لأن ذلك سينهي وضعا خطيرا جدا وملتهبا ومثيرا للانقسام لا بد في رأيه ألا يتفاقم!
يحدث كل هذا في دولة تزعم الحرص على الحريات والحقوق المدنية، وكثيرًا ما توصم نفسها بأنها الرائدة في هذا الخصوص، حيث تتضمن دساتيرهم وقوانينهم العديد من الفقرات والبنود والعبارات والجمل، التي تأخذ العقول وتذهب بالألباب عن صون الحريات والحقوق، والإنسان والحيوان وصولا للجماد لا تفرقة على أساس الجنس واللون والدين والعرق! وفجأة اكتشفوا عدم وجود نص صريح في هذه الدساتير والقوانين والحقوق المدنية يتيح محاكمة هذا القس الموتور! في ظل تقاعس الحقوقيين وناشطي الجمعيات إياها التي تروّج لأجنداتهم دون سواها..!
واستيقظنا على هذه المبادرات والتجاذبات الأمريكية والغربية، وما سمعناه من بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، بغرض المواساة، وكأنهم فقط يغسلون أياديهم من العار الذي لحق بهم.
والحق إن ما صدر عن الإدارة الأمريكية أو بعض القادة الأوروبيين لم يشف غليل صدور قوم مؤمنين، ولا يكفي، وقد كان من الواجب, خاصة أن الفاعل أمريكي, أن يقدَّم للمحاكمة بدعاوى كثيرة، أقلها تهديد السلم العالمي! خاصة أن الرئيس الأمريكي السابق، جورج دبليو بوش، كان قد استن قانونًا، يُحَاكم فيه المناهضون لحرب العراق كإرهابيين؛ فلماذا لا يحاكم مثل هذا الجبان كإرهابي مع الفارق بين التعبير عن الرأي ومناهضة والقدح في الأديان!
وبمناقشة هذا الفعل الحارق للقس جونز الجاهل، (راعي مركز الحمائم للتواصل العالمي!!‏) لا يمكن وصفه إلا بأنه عمل جاهل وصبياني وجبان‏؛ وذلك لعدة أسباب جوهرية:
- لن يحقق حرق القرآن الكريم، فائدة تُرجى لأي طرف‏ من الأطراف؛ بل سُيخرِج الجميع خاسرين ولن يكسب في نهاية المطاف إلا قوى الشيطان‏!‏ فإذا كنتَ في قرارة نفسك، ترفض الآخر، وتكره عقيدته، إذن فما جدوى أو معنى ما يُسمّى بــ (حرية الاعتقاد)؟!
- ما الفائدة المرجوة، التي يمكن أن تُحقِّقها هذه الجريمة، غير تأجيج النار، وإشعال العداوة والبغضاء بين المسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم‏..؟!
- لن تحقّق هذه الجريمة أي هدف إيجابي سوى المساهمة في ازدياد تمسُّك المسلمين في أنحاء العالم بعقيدتهم وقرآنهم الكريم‏.‏
- هذه الجريمة التي أشعلها هذا القس الموتور من شأنها، تعريض مصالح أمريكا للضرر، بل قد يسفر عن تعرض أرواح أمريكية بريئة للخطر‏,‏ خاصة الجنود الأمريكيين المنتشرين هنا وهناك‏,‏ لأن التطرف لا ينجب إلا تطرفا أنكي وأشد‏!‏ والحديد لا يفله إلا الحديد!
- إن هذه الدعوة المقيتة والمقززة من هذا القس الموتور، لن تمر مرور الكرام، وقد وضعت الحريات المدنية والإنسانية الأمريكية على المحك، فضلاً عن نقلها صورة غاية في السوء عن رجل الدين المسيحي في الولايات المتحدة! ولا سيما أن المسيحية دين التسامح، ولا تدعو قط إلى إحراق الآخرين!
إن تعليق الكاهن الأمريكي لعملية حرق القرآن الكريم، وليس إلغاؤها، نظير مقايضة غير مشروعة لعدم بناء مركز قرطبة الإسلامي، التي وصفها البعض بأنها عملية ابتزاز واعتبرها آخرون ثمرة طيبة للضغوط المعنوية (الناعمة جدا) التي مارستها الإدارة الأمريكية على القس المغمور تيري جونز للتراجع عن خططه المتطرفة‏ - لا يمكن السكوت عنه، ونحن في حل من مصائبه؛ فالتطرف الديني، سواءً كان مسيحيا أم يهوديًا أم إسلاميا أم أي معتقد آخر لا يمكن أن يُعد انعكاسا للدين بل انحرافًا مهينًا عنه؛ في وقت العالم فيه بحاجة إلى السلام والحب والإخاء؛ وفي حاجة ماسّة إلى أن ينهي حروبه وصراعاته المادية والحضارية.. العالم الآن في حاجة إلى أن يعم السلام. ومن أجل أن يتحقق هذا السلام، توجب علينا جميعا ومن كل الأديان أن نعمل يدا واحدة تجاه هذه الأيادي التي تروج للكراهية والصراعات والحروب الحضارية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي