النمو الاقتصادي والقوى العاملة الوطنية
من المعلوم أن القوى العاملة هي مكون من الوطني والوافد .. وإذا كان معدل النمو الاقتصادي مرتفعا، فإنه بالضرورة لن تكون هناك بطالة وطنية، غير أن هذا هو الحادث في سوق العمل عندنا.
قبل أن نحاول معرفة السبب في هذه الظاهرة ينبغي أولا أن نتأمل في الهيكلة التي تتركب منها القوى العاملة في بلادنا، ذلك أن جزءا منها يشغل فعلا مواقع تحتاج إليه وتفرضها الشروط الموضوعية للإنتاج، غير أن هناك فئات ممن يشغلون وظائف يتقاضون عليها دخولا شهرية لا يتم تمكينهم من أن تكون قوى عاملة فعليا، أي لها دورها في عمليات الإنتاج السلعي أو الخدمي، إما لعدم كفاءة الجهاز نفسه في تشغيلها أو أن الوظائف هي بالأساس شكلية وإضافات بيروقراطية ترهلية أدت إلى وجود أعداد من الموظفين لنشاط أو عمل واحد صغير الشأن يمكن أن يقوم به موظف أو اثنان فحسب.
أما خارج الحياه العملية في القطاعين العام والخاص فهناك قوى عاملة في رصيف الانتظار لم يتم امتحانها فعلا عما إذا كانت تمتلك مهارات أو لديها القابلية لذلك فيما لو تم تشغيلها أو أخضعت للتدريب، ومع ذلك لا يمكن القطع مهما حاولنا الإقلال من قيمة تلك القدرات إلا بأنها قوى عاملة (كامنة) مع وقف التنفيذ، الأمر الذي يجعل منها رقما حقيقيا للبطالة المباشرة يضاف لرقم تلك البطالة المقنعة التي تملأ الأروقة والمكاتب وتشغل وظائفنا بلا عمل فعلي ولا إنتاج سوى تعميق التراخي والكسل في مؤسساتنا.
البطالتان: المباشرة والمقنعة تصبح إشكاليتهما أشد وضوحا مع وجود الملايين من العمالة الوافدة التي بوجودها تؤكد على موقفين متناقضين هما: أن فرص العمل وفيرة جدا طالما أنها عمالة وجدت لها كل هذا الترحاب في سوق العمل، أو أنها عمالة مفتعلة وشحم مضر تقوم بأعمال هامشية لا يستدعي كل هذا الحجم المهول منها.
نعود الآن إلى محاولة تفسير ظاهرة وجود بطالة في سوق العمل ومعها البطالة المقنعة مقابل النمو الاقتصادي الوطني الذي يعبر عن ارتفاعات إيجابية جدا على مدى السنوات الماضية والأخيرة بالتحديد.
إنه من غير القابل للجدل التشكيك في حقيقة واحدة أساسية تكمن خلف هذا النمو الاقتصادي الوطني المرتفع حاليا وإنه ناجم بالدرجة الأولى عن العوائد التي تأتي من البترول والغاز فتشكل معظم الدخل الإجمالي الوطني أي أنه يشكل ثروة الإنفاق بجانب ثروة أخرى تأتي من سواه فما زال الاعتماد والمتكأ على المورد النفطي هو حجر الزوايا كلها في اقتصادنا الوطني ولم تصبح حكاية تنويع مصادر الدخل أو تنويع القاعدة الاقتصادية مترجمة على أرض الواقع بشواهد محسوسة عدا الصناعات البتروكيماوية وبعض الصناعات الاستهلاكية البسيطة إنما لم تتم تعبئة الموارد الاقتصادية بمصادر إنتاج الاقتصاد الحقيقي وخلق صناعات وتقنيات وخدمات منتجة تكون هي بذاتها حواضن للقوى العاملة فعليا والمطلوبة والضرورية في كل حين.
أمام كل ما تقدم وإزاءه، أي حين تكون فعاليات التنمية تمتلك حواضن في الإنتاج والتوسع فلسوف تمتص ليس العمالة التي تنتظر في رصيف البطالة المباشرة وإنما تغري حتى تلك التي يملأ التثاؤب أفواهها على المكاتب .. وطبعا سيعني ذلك فيما لو حدث استغناء عملي عن هذه الملايين من العمالة الوافدة ولن يظل منها إلا مثلما يظل من عمالات وخبرات مميزة كما في بلدان العالم المتقدم نفسه.
إن كون النمو الاقتصادي المرتفع هو نتاج اعتماد كبير على النفط ينبغي لكي يطمس البطالة وملامح الاقتصاد الريعي أن يكون وسيلة لحرق المراحل نحو تنويع القاعدة الاقتصادية التي قالت بها خطط التنمية منذ الخطة الثالثة على الأقل ولم يتم تفعيلها عمليا على النحو الذي يقطع دابر هذا الجدال في عدم القدرة على التشغيل الكلي للقوى الوطنية وفي إنجاز شروط الاستدامة النوعية لتنميتنا .. إذ إن التنويع هو المساحة الإجرائية الفعلية التي تجد قوة العمل الوطني عملها المنتج فيها .. عندها يصبح الحديث عن النمو الاقتصادي في مكانه الصحيح!