لنجرب سبيلاً آخر في طريقنا لدحر الفساد وتبني الشفافية
عندما ننظر لتعاريف الفساد والشفافية ونقلب دفاتر الهيئات والمؤسسات التي كُلفت وتكلفت بمحاربة الفساد في سبيل إسدال أكبر غطاء ''أخضر'' على المجتمعات في العالم وهو ''الشفافية''، فإننا نجد أن التعاريف بدأت تضمر أمام انتشار الأول وانحسار الثانية، وهو عكس ما نريده لخير المجتمعات وبالذات الإسلامية. المناداة بوضع استراتيجية واضحة الأهداف وخطط تواكب وتوائم متطلبات الأمة الإسلامية ظهرت وكأنها جمل جوفاء، لعدم تعضيد وتعزيز مسألة الأخذ بالأسباب، والعمل بمنهجية تصل بنا للعودة لسابق عهودنا عندما كان بينا علماء الأمم. قد يكون الجهل والتخلف وراء تدهور كثير من الأمور حتى أصبحنا مترددين في القيام بما يصلح لنا، ولكن لا بد لنا أن ننهض، فتاريخنا مشرف وبداخلنا عزيمة لم نختبرها بعد. إذا كنا قد اجتمعنا واتفقنا شكلياً على التعاريف وعلى أن تكون التوعية أول خطوة في طريق النهوض بالأمة من عثرتها، فلا بد من مراجعة ما تحقق في ذلك وإعادة رسم الطريق لما ينفعنا والأجيال القادمة من بعدنا.
في البداية يمكن القول إنه ما زالت هناك إجراءات لا يميل لها المسؤولون في اتخاذها لأن نتائجها تتحقق في زمن من يخلفهم وهم يريدون أن يروا نتائج صنيعهم. لهؤلاء أقول البصمة باقية لأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وهو الذي يسخر منا من يخلد أعمالنا. فإذا كانت في طاعته وخير خلقه فهذه رفعة أرادها الله لنا في غير أزماننا والعكس صحيح ونعوذ بالله من المذلة. الوقت ليس بمتأخر وما زلنا نأمل في إصدار التعاميم وتحديد المسؤوليات والتركيز على متابعة تنفيذ الأوامر والتوجيهات، ومن ثم إقرار العقوبات أو الترتيب لحل المشكلات. ما زلنا نبحث عن ضعيف الإيمان لنوقف هدره مقدرات الأمة والأوطان. ثم من بعد ذلك نريد جرأة ''مؤدبةً'' في القيام بما هو ناجع عمليا ويورث بفخر للابن والبنت والحفيد والحفيدة، لأننا نريدهم هداة مهتدين لا أشقياء منحرفين.
الآن في البيت والمدرسة آباء وأساتذة أخذوا على عاتقهم تكريس المفاهيم النموذجية للحياة، ولكن هل حرصنا أن نوفر بيئة حسنة سليمة ومستقرة في مواقع العمل؟ ماذا لو قمنا بـ (1) إتاحة تلفون لمحادثات المنسوبين خلال ساعة أو ساعتين أثناء العمل، (2) تخصص وقتٍ للراحة وتبادل أطراف الحديث الجانبية للقضاء على التسيب وتدخين السجائر والخروج المستمر أو جعله محدودا جدا. (3) نشر أدلة العمل التي حفظت كأنها أسرار المهنة، وهي أول الوثائق المفترض إطلاع الموظف الجديد عليها. (4) البحث عما يهدئ من شغف النفس البشرية للجدل والمراوغة وإشاعة التسيب وتوفيره أو الإشارة إلى طرق الحصول عليه مثل التدريب على التأنق في الظهور والأداء والممارسة. (5) تعزيز دور الهيئة واللجان المتخصصة بنشر الوعي لدى العامة عن الفساد والشفافية بتكثيف طرح الموضوع على مستوى الصحف المحلية على أقل تقدير ثم أنتجنا أفلاما قصيرة تعرض على القنوات الفضائية ويمكن تحميلها على الأجهزة المحمولة أو اليدوية. مشاركة المجتمع في الإجابة عن السؤال: ''كيف يمكن للفساد أن يؤثر في حياة الناس وبالتالي نهضة الأمة؟''. الإجراءات كثيرة ولكن هل من مبادر؟! واقعياً لا يمكن أن نقدر حجم الفساد وكمه ولا يمكن تحويل ذلك إلى أرقام نسبية لتمثيله بنموذج يقيس حجمه كميا؛ حيث كل ما يعلن ما هو إلا تقديرات وهي مفيدة لحد كبير. ولكن أليست الأبعاد ضبابية، والمعلومات مفقودة، والأداء مشوب بكثير من اللغط، والممارسات الخفية تذكر على كل لسان وهي غير ظاهرة للعيان؟ الآن بدأت الأبحاث تؤكد أنه يمكن حساب مستوى الشفافية ومستوى انحسار الفساد كمياً إذا ما دفع مشروع ''الحكومة الإلكترونية'' لمراحل متقدمة، حيث بهذا الإجراء سيتم تحجيم وتحديد الأيدي العابثة وتحديد المسؤوليات بالضبط. إضافة إلى ذلك تسريع خطوات العمل وتنظيم وضبط مسار الخطط التطويرية بشكل فاعل. هنا لا بد أن يتحرك القطاع الخاص عشر خطوات داخليا لأنه الأقدر على الحل فإن من الصعب تحقيق الأفضل في الجهاز الحكومي دون أن يكون المستفيد أو المستخدم متفاعلاً بكل قوة. إن تسارع التحسين في أداء القطاع الحكومي أصبح يعتمد على نسبة تسارعه نحو اكتمال القيام بإجراءاته الداخلية والخارجية إلكترونيا. وبالتالي سيكون توجه القطاعات الحكومية نحو تحسين ذلك تلقائياً ولكن على القطاع الخاص دعمه بالتحرك في هذا الاتجاه بشكل سريع ففي النهاية له نصيب في هذا التطور والتقدم والتاريخ سيسجل للمبادرين ذلك.
الأمل الآن في التحرك أفقيا وعموديا في القطاعات كافة، حيث سيخلق هذا نوعا من الهدوء النفسي لدى الطبقات المختلفة من الموظفين، وبالذات التنفيذية الدنيا؛ فمتابعة المخالفات والتجاوزات وتقليص التدخل البشري المباشر في آليات التنفيذ تؤمن استقراراً نفسيا للمنسوبين وتحرك روح التنافس لتحسين بيئة العمل. بهذا لو بدأنا بالقطاعات الأكثر حيوية مثل التعليم والصحة والشؤون البلدية والاتصالات وتقنية المعلومات، وفيها بدأنا بتطبيق النظام المتكامل للموارد البشرية ثم نظام المشتريات (المالي)، فمن المؤكد أننا سنصل في نهاية العام القادم للاستفادة من الميزانية بنسبة عالية جدا وسنصل بتحقيق أهداف الخطة التاسعة في هذه القطاعات بعد خمس سنوات بنسبة تكاد تصل للكمال وعندها ستراقب الأمم كيف أننا نرتقي بالأسباب بركوب العباب. والله المستعان.