المسلمون في أمريكا .. بين عيد وذكرى

عيد الفطر هذا العام سيكون مختلفاً عن غيره من الأعياد السابقة بالنسبة للمسلمين في الولايات المتحدة، فعيد الفطر المبارك هذا العام يتزامن مع ذكرى أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فالحادي عشر من سبتمبر هذا العام سيوافق الأول أو الثاني من شهر شوال، هذا الأمر لا يُخفي المسلمون هناك قلقهم منه، وهو قلق دفع بالبعض منهم إلى اقتراح إلغاء احتفالات العيد لهذا العام خوفاً من حصول ردود فعل غير محمودة من الذين يحيون ذكرى أحداث 11 سبتمبر 2001، خاصة بعد الشحن الإعلامي الذي يجري الآن.
وإذا كان هذا التوافق بين عيد الفطر وذكرى أحداث 11 سبتمبر مقلقاً للجالية المسلمة الكبيرة في الولايات المتحدة، فإن هناك ما يزيد قلق هذه الجالية، ومن ذلك ما يجري من حوار صاخب على الساحة الأمريكية بسبب رغبة بعض المسلمين في بناء مركز إسلامي في منطقة مانهاتن بارتفاع 13 طابقا، وعلى أرض قريبة من مكان برجي التجارة الدولية اللذين دمرا في تلك الأحداث.
هذا الحوار وهذه الذكرى وتزامنها مع عيد الفطر تضاف إلى ذلك دعوة إحدى الكنائس لحرق القرآن الكريم بمناسبة ذكرى 11 سبتمبر، وما يجري من تصعيد إعلامي واضح، كل ذلك يوجب على المسلمين هناك التعامل بحذر وبعيد عن العواطف مع قضية المسجد، فبناء مسجد قرب موقع الحدث قد يراه البعض نصراً للمسلمين، إلا أن هناك من يتخوف أن يتحول إلى مصدر تذكير مستمر بما حدث في 11 سبتمبر، وهذا ليس في مصلحة المسلمين وعلاقتهم بالمجتمع الأمريكي الذي يعد الأكثر تسامحاً من بين المجتمعات الغربية, التي كثير منها اتخذت خطوات هدفها إزالة أية مظاهر إسلامية فيها.
المسلمون في الولايات المتحدة في حاجة إلى تأكيد وقوفهم مع بقية الشعب الأمريكي ضد كل إرهاب أو عدوان، ولا يتحقق ذلك إلا بإزالة أي شكوك قد يثيرها الساسة الأمريكيون والإعلام في نفوس الناس، ولهذا فلعل من الحكمة اختيار مكان آخر للمسجد بعيداً عن هذا الموقع، وبذلك سيتم قطع الطريق على من يريد إثارة العداء بين المجتمع الأمريكي والمسلمين، ومن يسعى إلى استمرار إيقاد نار الفتنة وجعل الإسلام متهما.
إن ردود الفعل الغاضبة التي واجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما حينما أشار إلى أن من حق المسلمين إقامة هذا المركز من منطلق دستوري يكفل الحريات الدينية وهي ردود فعل وصلت إلى حد اتهامه بأنه مسلم يخفي إسلامه، وما نتج عن تصريحاته من انخفاض لشعبيته بين الأمريكيين واستغلال الجمهوريين هذه التصريحات لإثارة الرأي العام الأمريكي، وتوقع المراقبين أن تؤدي هذه التصريحات إلى خسارة كبيرة للحزب الديمقراطي وتحول تركيبة الكونجرس لمصلحة الجمهوريين، كل هذا يوجب على القيادات الإسلامية في الولايات المتحدة الحذر من أن يتحول بناء المركز إلى قضية تحشد فيها القوى لتحقيق مكاسب سياسية، ويكون الخاسر فيها الإسلام والمسلمون.
إن من حق المسلمين المقيمين في مانهاتن بناء مركز إسلامي ومسجد لهم، لكن من الحكمة أن يكون ذلك في مكان لا يثير عليهم الناس، ولا يكون سبباً في تحميلهم تبعات أمر لا علاقة لهم به، فالانتصار للإسلام هو في المحافظة على ما حققه المسلمون هناك من نجاح في إبعاد تهمة الإرهاب عنهم، ومحافظتهم على حقوقهم في ممارسة شعائرهم، لا في بناء مركز يعيد إلى الأذهان تلك الأحداث المؤلمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي