حول مسألة نمو الاقتصاد العُماني
كان الأسبوع الماضي مسرحا لنشر بيانات متباينة حول مستويات نمو الاقتصاد العُماني, فمن جهة، تم الإعلان عن تحقيق الاقتصاد العُماني نموا اسميا فاق 30 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الجاري دون احتساب عامل التضخم. ومرد هذا الأداء النوعي هو الزيادة المطردة للإنتاج النفطي في ظل بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا. وفي كل الأحوال، لا يمكن الاعتماد كثيرا على هذه الإحصائية كونها لا تأخذ في الاعتبار متغير التضخم, وهو مسألة مهمة بالنسبة لاقتصاد منفتح على العالم, سواء بالنسبة لتصدير النفط أو استيراد مختلف أنواع السلع.
من جهة أخرى، تم الكشف عن فرضية تراجع حجم النمو الاقتصادي المتوقع لعام 2010 من 6.1 في المائة إلى 5 في المائة على خلفية تذبذب وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية مقارنة بـ 2009. بدورنا نرى صواب توجه السلطات العُمانية إلى إعادة تقييم مستويات النمو الاقتصادي عند بروز أرقام جديدة, وبالتالي تبني أرقام محدثة.
تعزيز الإنتاج النفطي
يشير أفضل الإحصاءات المتوافرة إلى تنامي متوسط الإنتاج النفطي من 760 ألف برميل يوميا في عام 2008 إلى 810 آلاف برميل يوميا في 2009, وربما 870 ألف برميل في اليوم في 2010. وعلى هذا الأساس، ارتفع متوسط الإنتاج النفطي بنحو 100 ألف برميل يوميا, الأمر الذي يعد دليلا ماديا على نجاح سياسة تعزيز الإنتاج.
حقيقة القول، بذلت السلطات العُمانية في السنوات القليلة الماضية جهودا مضنية لتعزيز الإنتاج النفطي من قبيل منحها في عام 2005 حقوق امتياز لتحالف بقيادة شركة أوكسيدنتال الأمريكية لزيادة إنتاج حقل مخزينة من عشرة آلاف برميل يوميا إلى 150 ألفا يوميا في غضون خمس سنوات عن طريق استثمار مبلغ ضخم قدره مليارا دولار.
خطة مالية ضخمة
حديثا كشفت السلطات عن خطة مالية بقيمة 3.5 مليار دولار لغرض زيادة الإنتاج النفطي بنحو 18 في المائة في غضون السنوات الخمس المقبلة. يعد هذا المبلغ كبيرا بالنسبة لاقتصاد صغير, حيث تبلغ قيمة نفقات الميزانية العامة للسنة المالية 2010 تحديدا 18.7 مليار دولار. وفي كل الأحوال، ليس من المستبعد عبور الإنتاج النفطي حاجز 900 ألف برميل في اليوم في 2011, وبالتالي إعادة إحياء ذكريات بداية العقد الحالي عندما بلغ متوسط الإنتاج 961 ألف برميل في 2001 قبل بدء مسلسل تراجع الإنتاج النفطي لعدة سنوات.
ومن شأن تعزيز القدرة الإنتاجية توفير المجال للسلطنة للاستفادة من فرص ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية, وبالتالي إمكانية الحصول على عوائد مالية مضاعفة. في المقابل، لا يمكن إهمال الجوانب السلبية لمسألة تعزيز الإنتاج النفطي, التي تشمل جعل الاقتصاد العُماني تحت رحمة التطورات بشكل أكثر من ذي قبل تحت رحمة تطورات أسواق النفط.
يعتبر متغير سعر النفط أمرا حيويا للاقتصاد العُماني بالنظر لتشكيل إيرادات القطاع النفطي أكثر من ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة, وعليه يعد الدخل النفطي المصدر الأول بلا منازع لتمويل مصروفات الدولة. وكما هو الحال مع أغلبية دول مجلس التعاون الخليجي، تشكل مصروفات القطاع العام أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. وهذا يعني بشكل واضح وصريح أن الاقتصاد العُماني لا يزال نفطيا بالدرجة الأولى على الرغم من رغبة الجهات الرسمية في الاعتقاد بوجود نوع من التنوع الاقتصادي. كل هذا على الرغم من عدم تمتع عُمان بعضوية في منظمة الأقطار المصدرة للنفط ''أوبك''.
معضلة البطالة
من شأن تعاظم الإنتاج النفطي, وبالتالي فرضية تعزيز الإيرادات منح السلطات فرصة زيادة النفقات العامة, وبالتالي مواجهة التحديات التي تواجه السلطنة. يشار إلى أن النفقات المقررة للسنة المالية 2010 تزيد بنسبة 12 في المائة على الأرقام الأصلية لعام 2009, حيث يرتبط الأمر بزيادة الإنتاج وأسعار النفط في الوقت نفسه.
لا شك أنه لا مناص من توظيف الدخل النفطي الإضافي لمواجهة تحدي البطالة التي تبلغ نسبتها نحو 10 في المائة في أوساط العمالة المحلية. تنتشر البطالة في أوساط الشباب بشكل أساسي, خصوصا الإناث. بل تعد البطالة مشكلة كبيرة في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة, وذلك بالنظر لمحدودية فرص العمل.
كما تشير الأرقام الديمغرافية إلى أن المجتمع العُماني يافع، حيث يشكل السكان دون سن الـ 15 43 في المائة من مجموع المواطنين. الأمر المؤكد هو أن عددا غير قليل من المواطنين سيدخلون إلى سوق العمل في المستقبل غير البعيد بحثا عن وظائف تتناسب وتطلعاتهم فيما يخص ظروف العمل والأجور.
أخيرا وليس آخرا، توفر القدرة على زيادة المصروفات على خلفية ارتفاع الإيرادات إمكانية معالجة التداعيات المرتبطة بإعصار فيت, الذي ضرب السلطنة مع بداية فصل الصيف, أي مع انطلاق موسم الأعاصير. فضلا عن الخسائر البشرية، فقد ألحق الإعصار أضرارا مادية بجانب من البنية التحتية للسلطنة, فضلا عن تعطيل الإنتاج النفطي وشل حركة الطيران لعدة أيام.