الإعلام والفتوى

لم يشهد عامٌ من الأعوام مثل ما شهده ما مضى من هذا العام من فتاوى كانت محل أخذ ورد واعتراض, بل استنكار, ليس من كبار العلماء الذين يدركون خطورة البحث عن الشاذ من الأقوال وإبرازه على أنه رأي يجب طرحه فحسب, بل من عامة الناس الذين يرون أن هذا التسابق في الفتاوى سيكون له أثر سيئ في المجتمع.
ومن المؤسف أن هذا التسارع للإفتاء بما هو شاذ أو مرجوح أو مهجور من الآراء لقي اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام على مختلف أدواتها, فأخذت تنشر هذه الفتاوى في صدر صفحاتها ونشراتها الإخبارية, حتى لو كانت فتوى جاءت عرضاً ضمن درس من الدروس, أو عبر موقع إنترنت مغمور, ما أحدث بلبلة بين كثير من الناس, بل ما جعل كثيرا من الجهات المعادية تنطلق في هجومها على الإسلام والمسلمين من هذه الفتاوى, كما أصبحت بعض هذه الفتاوى مصدر تسلية وسخرية في كثير من وسائل الإعلام الغربية, بل أصبحت ذريعة للهجوم على المملكة وعلمائها.
ولهذا فقد كان صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ لسماحة مفتي عام المملكة، بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، مع الرفع بمن يجد فيهم الكفاية والأهلية التامة للاضطلاع بمهام الفتوى للإذن لهم بذلك، أمرا حكيما يهدف إلى وضع الأمور في نصابها وحماية المجتمع من التأثير السلبي لهذه الفتاوى, وجاء هذا القرار لضبط الفتوى لا تقييدها أو الحجر عليها, فلم يمنع الفتاوى بشكل مطلق, بل استثنى من ذلك ''الفتاوى الخاصة الفردية غير المعلنة في أمور العبادات, والمعاملات, والأحوال الشخصية, بشرط أن تكون خاصة بين السائل والمسؤول''. كما منع منعا باتا ''التطرق لأي موضوع يدخل في مشمول شواذ الآراء، ومفردات أهل العلم المرجوحة, وأقوالهم المهجورة''.
وحذر الأمر الملكي كل من يتجاوز هذا الترتيب بأنه ''سيعرّض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائناً من كان، فمصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار''.
إن الإشكالية التي عاناها المجتمع وكانت سبباً في هذا التنازع والصراع الفقهي, أن بعض وسائل الإعلام تسعى إلى إبراز كل ما هو شاذ من قول أو فعل, فيصبح صاحبه بين ليلة وضحاها على كل لسان، والسبب في هذا هو التنافس المحموم بين وسائل الإعلام المختلفة للوصول إلى أكبر قدر من المشاهدين أو القراء, وهذا ما جعل كثيرا ممن يتصدون للفتوى يصبحون نجوماً تفرد لهم البرامج ويسعى إليهم الرعاة والمعلنون.
وأمر خادم الحرمين الشريفين جاء لعلاج هذا الوضع غير السليم, وهو أمر يحتاج إلى تعاضد من الجميع, خاصة الجهات المسؤولة عن الإفتاء وكذلك وسائل الإعلام, ومنها الإعلام الإلكتروني, بحيث تلتزم بهذا القرار فلا تسعى إلى إبراز ما هو شاذ من الآراء أو الفتاوى, وبذلك يمكن القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي