المحامي العلامة

كنت قد تطرقت في مقال سابق بعنوان (تمويل المشاريع ومكاتب المحاماة) إلى موضوع المحامي العلامة وقلت في ذلك المقال إنه قد «انتهى وقت المحامي العلامة لدينا، فكثير منا كمحامين يقدم نفسه على أنه خبير في جوانب القانون كافة, وفي اعتقادي أن ذلك لا يمكن على إطلاقه, فلا شك في أن لدينا خلفية جيدة عن جوانب القانون كافة, لكن هنالك أمورا تخصصية تحتاج إلى خبرة وبذل وقت لمعرفتها. فإن كان المحامي العلامة مقبولا في زمن ما فهو الآن ليس مقبولا ولا بد من وجود المحامي المتخصص لنستطيع المنافسة ليس دولياً وإنما في بلادنا. ولا يعني هذا ألا يعمل المحامي في غير مجاله المتخصص فيه, فهذا متعذر في سوق المحاماة السعودية في الوقت الحالي, إنما تطوير تخصص فرعي وفي الوقت نفسه العمل في الجوانب القانونية المتوافرة بأسلوب مهني». وقد طلب مني الزميل المحامي عبد العزيز الثنيان في رسالة منه بأن «تستمر مقالات حول الفكرة نفسها لتشرح الفكرة الأعمق.. للجوانب الإنسانية والاقتصادية محلياً وإقليميا ودولياً أيضا لم لا، فهناك خسائر مستمرة وهي خسائر اجتماعية أولا قبل أن تكون مادية.. وهذا يتجلى في أروقة المحاكم بين قضاة ومحامين (علامة) كلاهما لم يفيدا المجتمع» انتهى كلامه.
فلعل هذا المقال يوضح الفكرة بشكل أكبر حول هذا الموضوع المهم المرتبط بمهنة المحاماة. فالمحامي العلامة يعمل في تخصصات مختلفة في فترة زمنية واحدة فتجده يعمل في قضايا في الأحوال الشخصية، وفي القضايا الجنائية وفي الوقت نفسه لديه قضايا تجارية في كافة تخصصاتها من ملكية فكرية وشركات وسوق مالية وتأمين وقضايا اتصالات وقضايا عقارات وكذلك قضايا عمالية وليس ذلك فحسب بل يعمل أيضا في مجال تقديم الاستشارات في مواضيع لم يعمل فيها بل لدرجة الجهل بالمصطلحات المستخدمة فيها. ليس ذلك فحسب بل تجد بعضا منا يتكلم في تخصصات أخرى ولا شك أن ذلك متاح في النقاشات العامة ولكنه محال في ممارسة المهنة والأمثلة لدي ولدى غيري من الزملاء كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال لتوضيح الفكرة أثناء فترة عملي مع أحد مكاتب المحاماة الأجنبية كنا نعمل على موضوع استحواذ شركة مساهمة عامة على شركة ذات مسؤولية محدودة وذلك مرتبط بشكل أساسي بلوائح السوق المالية والتي صدرت بدءا من عام 1425. وكان يعمل في موضوع الاستحواذ إضافة إلى مكتب المحاماة الأجنبي مكتب محاماة محلي له في السوق ما يتجاوز 25 سنة وقد أخطأنا كفريق في المكتب الأجنبي باعتمادنا بشكل أساسي في أحدى الاتفاقيات على صياغتها بناء على المدرسة الأنجلوسكونية وكان هنالك نقاش حول هذه الجزئية داخل المكتب الأجنبي، الشاهد من القول إن المكتب المحلي بدلاً من إبداء الملاحظات الجوهرية على الاتفاقية ركز ابتداء على ملاحظات شكلية وذلك لطول الاتفاقية بالنسبة له فهي تتجاوز 40 صفحة وبعد النقاشات قدم في نهاية المطاف اتفاقية من ثلاث أو أربع صفحات لا أذكر ليست شاملة لتغطية جميع الجونب القانونية! وهذا في وجهة نظري كان راجعاً إلى مفهوم المحامي العلامة، فالسبب رئيس في ذلك الأداء من المكتب هو عدم تخصص هذه المكتب في مجال السوق المالية فالمدة الزمنية الطويلة له في السوق لم تكن عاملا مهما لأن عمر لوائح السوق المالية لا يتجاوز خمس سنوات آنذاك. فهذا هو جزء من الواقع الذي نمارسه في هذه المهنة ما بين مقل ومكثر ولذلك عدة أسباب, نذكر منها المدة القصيرة لتنظيم مهنة المحاماة في قانون موحد لدينا, فنظام المحاماة صدر في عام 1422، وكذلك وجود الدخلاء إلى هذا اليوم على المهنة ممن يمارسون من دون مؤهلات علمية فهذا يعطي انطباعا للمحامي بأنه مقارنة بالدخلاء فهو متخصص في المحاماة وهذا بلا شك صحيح ولكن ليس على إطلاقه. ومما يذكر بعض الإشكاليات التي هي نتيجة لنصوص نظام المحاماة كعدم اشتراط الخبرة على من يحمل درجة الدكتوراه، فالمهنة مرتبطة بشكل أكبر على الممارسة منها على الجانب النظري، فالمؤهلات العلمية مطلوبة كمفاتيح لكن الخبرة العملية أهم وأيضا عدم وجود اختبار مهني قبل إعطاء ترخيص المحاماة وكذلك قبول شهادات قانونية من دول أخرى كمؤهل للحصول على ترخيص المحاماة, وفي ذلك خلل في حالة عدم وجود الاختبار المهني فلا بد من إيجاد التوازن بين العناصر الثلاثة المؤهل العلمي، الاختبار المهني والخبرة العملية. هذا إضافة إلى ضعف البنية التحتية القانونية لدينا وقلة الأبحاث الفقهية والقانونية التي تعالج المسائل المستجدة. فهناك خلل في المبادئ الأساسية للترخيص للمحاماة ابتداء فكيف بموضوع التخصص.
هذه بعض الخطوط العريضة لهذا الموضوع, ولعل مقالا أو مقالات قادمة تناقش بعض الرؤى لنقل الفكر السائد من المحامي العلامة إلى المحامي المتخصص. ونهاية أعتذر من زميلنا عن عدم قدرتي على التطرق لموضوع القضاة كوني لست متخصصا في جانب القضاياً في الوقت الحالي وخبرتي في ذلك قديمة, فآخر مرة دخلت محكمة محاميا كانت في عام 1426هـ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي