لا مكان لكشمير في إعادة التقارب بين الهند وباكستان

مرة أخرى أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، وبما يبعث البهجة في نفس مضيفها، شاه محمود قرشي، أن كشمير ظلت ''عائقاً'' في سبيل تحسين العلاقات الهندية ـ الباكستانية. وكان هذا البيان من جانبها ليس استثنائياً أبداً، حيث إن استمرار الخلاف حول إقليم كشمير يعوق من الناحية الفعلية عملية تطوير العلاقات الهندية ــ الباكستانية. غيــــر أن ما لم تدركه الوزيرة الأمريكية هـــو أن استخـــدام كلمة ''عائق'' ستفســر في إســلام أباد بما يختلف عن السياق الدبلوماسي المعتاد.
وحين يشير السياسيون الباكستانيون، أو قادة المؤسسة العسكرية، إلى كشمير على أنها عائق في سبيل التوصل إلى علاقات أفضل بين الهند وباكستان، فإن لديهم أجندة مختلفة في أذهانهم عما يدور في ذهن وزيرة خارجية الولايات المتحدة، وما كانت تريد التعبير عنه، والتأكيد عليه، في تصريحها هذا فالجانب الباكستاني يريد، ببساطة، الحصول على تنازلات في هذه القضية من الجانب الهندي. وما زال هذا الهدف يداعب أذهان السياسيين في إسلام أباد، وعلى وجه الخصوص المؤسسة الأمنية على الرغم من أن أربع حروب رئيسة، وعدد من الاشتباكات الحدودية بين الجارين، لم تسفر عن أي تقدم في سبيل تحقيق هذا الهدف.
لسوء الحظ، فإن الولايات المتحدة، سواء من خلال تصميم مسبق، أو بالمصادفة، عملت على الدوام على تعزيز ورسوخ هذا الهدف في أذهان صانعي السياسة في إسلام أباد. وفي أيام الحرب الباردة، وقفت الولايات المتحدة، بضغط من جانب بريطانيا، إلى جانب باكستان في مجلس الأمن الدولي. وكان ذلك الموقف الأمريكي في ذلك الحين نابعاً من حيثيات الحرب الباردة، ومن موقف الهند كبلد يتبنى عدم الانحياز، ويزداد تسليحاً، وتشدداً في مواقفه السياسية. غير أن الولايات المتحدة، بعد سنوات طويلة من البحث والنقاش على مستوى الأمن، فقدت الاهتمام بقضية كشمير في الستينيات من القرن الماضي، وذلك لأسباب عملية. إلاّ أن الولايات المتحدة في أعقاب حرب الحدود المدمرة بين الصين والهند، سعت، بالتعاون مع بريطانيا، ومن خلال مهمة هاريمان – ساندي، إلى محاولة جعل الهند تمضي نحو تسوية لهذه القضية. وعلى الرغم من الضعف السياسي والعسكري للهند في ذلك الوقت، إلا أن قيادتها رفضت تقديم التنازلات المطلوبة على صعيد الأراضي، كما أن الحوار الخاص بذلك انتهى إلى طريق مسدود. ومن المؤكد أن فشل هذه المهمة كان من أسباب لجوء باكستان إلى الحرب مع الهند في عام 1965.
بعد اتفاقية شيملا في عام 1972، بدا أن على القضية الكشميرية أن تظل محفوظة في مخزن مبرد. وكان قد تم تقسيم باكستان نتيجة لحرب عام 1971، كما أن القوة المتصاعدة للهند جعلت التفكير في شن حرب أخرى ضدها أمراً على درجة عالية من الخطورة. ولم يعد الموضوع يشغل أذهان صانعي السياسة في باكستان إلا بعد الاضطرابات التي شهدها القسم الذي تسيطر عليه الهند في كشمير في عام 1989.
حين كان الهنود على استعداد للاستماع، فإننا نجد أنه حتى رئيسة وزراء باكستان في ذلك الحين، بنظير بوتو، أبدت تشدداً في موقفها فيما يتعلق بقضية كشمير، وذلك في ردها على دعوة للحوار من جانب رئيس وزراء الهند في ذلك الحين، راجيف غاندي. وقد اتخذت بوتو هذا الموقف المتشدد في إطار المزايدة على منتقديها من المعارضين المحليين. وبعد فترة قليلة، أي في عام 1993، تساءل أول مساعد لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوبي آسيا، روبن رافيل، للمرة الأولى عن شرعية ضم كشمير إلى الهند. وكان بذلك يجيب عن سؤال لأحد مراسلي الصحف الهندية. وعلى الرغم من محاولة وزارة الخارجية الأمريكية الإسراع في تهدئة المؤسسة العسكرية الهندية، بعد ذلك التصريح، إلا أنها لم تبد تراجعاً عما جاء فيه. وفي ظل حرص القوات الهندية على تهدئة الاضطرابات التي تتهم باكستان بأنها تعمل على مساعدة محركيها، فقد جاء فشل مهمة إدارة كلينتون في التهدئة، والإعلان عن ذلك رسمياً، بمثابة تعزيز لموقف باكستان الداعي إلى ضم إقليم كشمير إليها. وقد تحسنت قدرات الهند في ذلك الحين فيما يتعلق بمقاومة التمرد في كشمير، حيث استطاعت تحقيق درجة مقبولة من التهدئة في إقليم كشمير قبيل انتخاباتها التشريعية. وقد بدا أن أثر بيان الخارجية الأمريكية الخاص بإقليم كشمير، والتساؤل حول شرعية ضمه إلى الهند، قد أخذ في التراجع والأفول.
ولم يعد موضوع كشمير يبرز إلى سطح الأحداث إلا بعد أن أصبح باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، حيث بدأ الأمر يتحرك من جديد حين تم تكليف ريتشارد هولبروك، وهو السياسي الأمريكي المحنك، مع قلة خبرته في شؤون جنوب آسيا، بمهمة تنسيق السياسة الأمريكية فيما يتعلق بكل من أفغانستان وباكستان. وقد تشاور هذا الدبلوماسي طويلاً في كل من واشنطن وإسلام أباد، وخرج بالادعاء الشهير بأنه حتى تستطيع باكستان أن تزيد من تركيزها على حدودها المضطربة مع أفغانستان، فإنها بحاجة إلى الحصول على ضمانات ملائمة من جانب الهند فيما يتعلق بالجبهة الكشميرية. وسارع الدبلوماسيون الهنود في واشنطن، وغيرها من عواصم العالم، إلى التأكيد على أنه ليس هناك أي ارتباط بين هذين الأمرين.
رغم كل ذلك، قامت الهند بسحب نحو 30 ألف جندي من قواتها المسلحة المرابطة في إقليم كشمير في عام 2009، وذلك في إطار جهود مانموهان سنج، رئيس وزراء الهند، لتحسين علاقات بلاده مع باكستان، حتى في أعقاب الهجوم الإرهابي على مومباي في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2008، حيث انطلق منفذو ذلك الهجوم من الأراضي الباكستانية. ولم يؤثر سحب هذه القوات، في ذلك الحين، في الموقف الرسمي الباكستاني، الأمر الذي دحض المزاعم الرسمية في إسلام أباد من أن باكستان في حاجة إلى الشعور بتراجع التهديد العسكري الهندي الموجه نحوها في إقليم كشمير، لأن عكس ذلك يتطلب زيادة فاعلية قواتها على الحدود الشرقية. ومع كل هذه التطورات، ظل الدبلوماسيون، والمبعوثون الرسميون الأمريكيون يرددون نغمة تفيد بأن تحسين العلاقات بين الهند وباكستان من شأنه أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة في تركيز باكستان على الجبهة الغربية (الحدود مع أفغانستان).
إن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية في إسلام أباد في الأسبوع الماضي تعيد الأمر كله إلى دائرة الضوء. وقد تم بذلك منح نظرية تسبب تحسين العلاقة الباكستانية ـ الهندية في دعم موقف باكستان على حدودها مع أفغانستان، دفعة جديدة إلى الأمام. غير أن توقيت تصريحاتها هذه لم يكن مناسباً، حيث جاءت بعد انهيار المحادثات بين وزيري خارجية الهند وباكستان.
ولا شك أن معارضي السلام مع باكستان حصلوا على ذخيرة جديدة من خلال الخلاف العلني بين وزيري خارجية البلدين الذي انفجر خلال مؤتمرهما الصحافي المشترك، حيث كانت نقطة إشعال الموقف حين أشار وزير خارجية الهند إلى تصريحات جي. كي بيلاني وزير الشؤون المحلية في بلاده الذي أصر على مواصلة الربط بين باكستان وأعمال العنف التي تشهدها الهند. كما قال إن جماعة لاشقر طيبة، بقيادة حافظ محمد سعيد، تشن هجماتها انطلاقاً من إقليم البنجاب في باكستان. وفيما يبدو أنه تبنٍ أمريكي، من خلال تصريحات هيلاري كلينتون، للموقف الباكستاني إزاء الأهمية الخاصة للنزاع حول كشمير، فإن آفاق عقد محادثات مثمرة في الوقت الراهن بين الهند وباكستان حول النزاع المتعلق بهذا الإقليم، هي الآن أقرب إلى السراب.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي