عقوق الوالدين وتطبيق نظريات «فن العقاب»
يعد ''فن العقاب'' أحد الأساليب التربوية المستخدمة في ردع الخطأ, وورد العقاب في القرآن الكريم والسنة النبوية, لكنه ورد كآخر اختيار للتحفيز نحو سلوك إيجابي أو التنفير من الإقدام على سلوك سلبي, لكن اشترطت الشريعة الإسلامية السمحة الرأفة في تطبيق العقاب ووضعت الجزاء من جنس العمل وزرعت فينا مبادئ وقيما تتماشى مع فطرة الإنسان وطبيعته التي خلقنا الله عليها شرط أن يكون العقاب في ضوء الحفاظ على كرامة الإنسان.
وترتفع درجة العقاب مع ارتفاع الخطأ حتى تتدرج فتصل إلى القوانين التي تفرضها الشريعة في إقامة الحدود وما يماثل ذلك من خلال تطبيق العقاب على المجرمين عندما يتحول السلوك من الخطأ البسيط إلى الجسيم, فالجريمة. حتى في نظريات علم النفس فإن العلاج ''بالتنفير'' يعد إحدى الطرق المتبعة في تحوير سلوك الإنسان إلى الأفضل, أو محاولة تقويم مشكلته النفسية, ونجح كثير من النظريات التي اشترطت العقاب, لكن مع تحقيق الشرط نفسه, وهو أهمية الحفاظ على إنسانية البشر, وهو شرط من إحدى أهم استراتيجيات ''فن العقاب'' الذي يكون مدروسا ومخططا له مسبقا, ولا يكون بصورة عشوائية تأتي بنتائج سلبية على الفرد. ولعل كثيرا من الوالدين لديهم فكرة ديكتاتورية, مفادها أن ملكية الطفل ملكية وراثية يرثونها تماما كما يرثون أي سمة أخرى من سماتهم الشخصية, لذا يعتقد كثيرون أن اختيار أي طريقة لعقاب الأبناء أمر لا مانع لديهم فيه, وهو محلل لديهم شرعا وقانونا, ويضعون أمام أعينهم تلك الفكرة السلبية, وبالتالي يتصرفون بناء على تلك القناعة الخاطئة, ومهما كان الدافع من قبل الأبوين أو أحد الأقارب, هل هو التربية حقا أو ممارسة العقاب من أجل العقاب فقط بدافع أي مرض نفسي مصاب به الشخص مصدر العقاب, إلا أن العقاب في أصله يستخدم وفق فنون تربوية سهلة سلسلة يجب ألا يتم تجاوزها, ولعل أحدها من باب التمثيل لا الحصر, حرمان الطفل من نشاط يحب أن يمارسه, أو حرمانه من لعبته المفضلة أو ما شابه ذلك, لكن ما نسمعه يوميا يتداول في وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وغيرها هو العقاب بالجريمة, وهذا في المرتبة الأولى لا يكون الهدف منه الإصلاح ولا يصب في النهاية في الإصلاح, لكنه يحول قلب الطفل النقي الطاهر إلى قلب أسود حقود يمتلئ بتراكمات العقاب السلبي إلى أن ينتهي بنهاية أحد الطرفين نهاية سيئة تصل في كثير من الأحيان إلى تبني العقوق من الابن أو البنت تجاه والديه لدرجة أن نرى حالات كثيرة لآباء يتعرضون للضرب من أبنائهم واستخدام الألفاظ السيئة والزجر والتأفف. وإذا كنا فعلا نريد أن نعالج مشكلة عقوق البعض والديهم لا بد أن نعالج مشكلة العقابات السلبية أولا, التي تتم بين الجدران وبسرية بالغة داخل عدد من الأسر التي تعرض أبناءها للحرق والضرب والسجن في غرف مظلمة والتهديد بالاغتصاب والتحرش الجنسي, وبعد ذلك نطالب الأبناء في شبابهم بعد هذا المشوار الطويل من غرس الجريمة, ببر الوالدين واحترام عمر الوالدين!
أعتقد أنه أمر مثير للعجب والدهشة وبعيد كل البعد عن العقل والمنطق!