مرئيات شاب في شركة عائلية

كتب إليَّ الشاب محمد غسان البكري تعليقا على مقالاتي عن الشركات العائلية, فوجدته مفيدا ويستحق أن أعرضه أمام المهتمين بهذا الموضوع. وقد أسعدتني مشاركته، لأنها تأتي من شاب ممارس ينتمي إلى الجيل الثالث في الشركات العائلية، وهو الجيل الذي تحدث فيه عادة أخطر الخلافات العائلية التي تؤول إلى تصدع الشركات. يعمل محمد مع عائلته في شركة متخصصة في مجال النقل البحري وقطاع الطاقة، لكنه عمل قبل ذلك خارج نطاقها في مؤسسات مالية ومصرفية.
يقول محمد إنه يستقي مرئياته من واقع عمله، وهو يأمل بأن تكون ذات فائدة للمبتدئين من أفراد الشركات العائلية الذين يرغبون في العمل في شركاتهم.. وإنه يروم التعلم بالمشاركة قبل أن تحدث الخلافات وتقع الفرقة بين أبناء العائلة الواحدة. ويأسف لأنه لاحظ أن معظم الشركات العائلية العربية تميل إلى السرية في أعمالها, حتى حلت المعلومات الناقصة والمغلوطة محل المعلومات الكاملة الصحيحة، وهو ما يجعل الورثة عرضة لعدم استيعاب الدروس إلا بعد حدوث النكبات وفوات الأوان.
جاءتني مساهمة محمد، التي كتبها باللغة الإنجليزية، تحت عنوان لافت هو: "العمل من أجل الشركة العائلية", وليس مجرد العمل فيها أو معها، ولهذا دلالة عميقة. فهو يعتقد أن أحد أهم عوامل نجاح الشركات العائلية، أن يكون غرض أعضائها من العمل فيها تعزيز وجودها والمحافظة على بقائها، وجعلها أكثر قوة وريادة في مجالها, حيث يكون دافعهم إلى ذلك الرغبة الذاتية في الإنجاز. وهو ينصح المبتدئين بأن يتجنبوا مهلكات الشركات العائلية، حيث الجد يؤسس، والأبناء يبنون، ثم الأحفاد ينفقون ويبددون!
ويضيف أنه إذا كانت العائلة تملك شركة ناجحة، وكان العاملون فيها من ملاكها يتمتعون بعلاقات صحية، فمن المهم أن يعرف كل فرد ما الذي يريد تحقيقه من خلال التحاقه بالشركة العائلية, فإن كان غرضه من الانضمام إلى إدارة الشركة أن تكون له دالة على أموالها لدعم مصروفاته الشخصية، فمن الأفضل أن يذهب أمثال هؤلاء مباشرة إلى الجد أو الوالد للحصول على المال الذي يريدونه، وأن يبتعدوا عن إدارة الشركة, فهذا سلوك مدمر لها. أما إن كان الغرض الرغبة الأكيدة في أن يكون عنصرا منتجا فيها، متحملا أعباء العمل ضمن هيكلها، ومساعدا للجيل الأكبر من أعضاء العائلة على التخفيف من أعبائهم اليومية حتى يخصصوا وقتا أكثر للاهتمام بشؤون الإدارة العليا ورسم سياساتها الاستراتيجية، إن كان الأمر كذلك، فهو ينصح هؤلاء قبل أن ينخرطوا في عمل العائلة بما يلي:
1- أن يختار الفرد القسم الإداري المناسب لقدراته ومؤهلاته، ثم عليه أن يبدأ العمل من أدنى درجات السلم الإداري، حيث تنشأ هناك بدايات المعاملات، وفيها يرتكب الموظفون الأخطاء ويحاولون إخفاءها قبل أن تصل إلى مستويات الإدارة العليا. وهي خطوة مهمة, فلكم خدم مبدأ التعلم من الأخطاء خبرات وقدرات كثير من أعضاء الشركات العائلية خلال تاريخها.
2- وعلى عضو العائلة المبتدئ أن يدرك أنه يعمل في الشركة موظفا كشأن غيره، ومن ثم عليه أن يكسب ثقة زملائه ومحبتهم وتعاونهم. وأن يعمل بجد كما يعملون، وإن استطاع فليثبت أنه يعمل بشكل أفضل منهم، لكن عليه ألا يضغط ليتذاكى عليهم، بل يحب أن يكون همه مصلحة العمل وما يمليه عليه ضميره. ثم عليه أن يكون صبورا، موقرا لكبيرهم، يتعامل معهم بنية التعلم وليس بنية تصيد الأخطاء، فإن مثل هذا التصرف هو أسرع طرق عزل الفرد عن الوسط الذي يعمل فيه، فقد يجد نفسه خارج دائرة تبادل المعلومات.
3- وعليه أن يدرس جيدا طبيعة ونوع عمل الشركة وهيكلها الإداري ومسار إجراءاتها الإدارية. وأن يتعرف على مختلف الأقسام وحدود ومسؤوليات رؤسائها. كما عليه أن يتعرف على كيفية التعامل مع وجهات النظر المختلفة بين أفراد العائلة من العاملين في الشركة, وأن يفهم كيف تتم الموافقة على احتياجات وطلبات القسم الذي يعمل فيه، من خلال تتبع مساره الإداري داخل هيكل الشركة. باختصار، عليه أن يكون حاذقا كثير التمعن في كل ما يمر عليه، وألا يتردد في السؤال عما لا يعرفه, لكن بطريقة ذكية ومناسبة.
هذه مرئيات شاب كتبها من واقع تجربته، لعلها تفيد أمثاله من المبتدئين من شباب الشركات العائلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي