الفكر الانتقائي وعصابات السحر والشعوذة
تعد عملية بناء الشخصية من العمليات شديدة التعقيد, حيث تختلف مخرجات الشخصية, حتى إن تشابهت, طالما أنها مرت بظروف بيئية مختلفة. حتى لو كانت الفطرة لها الدور الإيجابي في تركيب القاعدة الأساسية للبشر, إلا أن الاستعداد الوراثي بكل ما يحمله من تاريخ الأسرة السابق له نصيب الأسد في التغيير والتحوير, فعندما يصطدم بأحداث سلبية خاطئة ينتج في النهاية شخصية غير سوية والعكس عند وجود تاريخ أسري إيجابي يتفاعل مع بيئة إيجابية فإن المحصلة النهائية تعطينا شخصية سوية, أو لنقل شخصية غير مرضية أي غير مصابة بأي من الأمراض النفسية التي تعوق تكيف الفرد مع عالمه الخارجي. لذلك فإن نظرية فرويد ـ على الرغم من المآخذ الكبيرة التي تعتريها ـ إلا أن هناك جانبا مهما طرحه فرويد في مجال التربية النفسية وهو أهمية التركيز على السنوات الخمس الأولى في حياة الطفل, حيث تؤسس الشخصية, وكل الظروف الإيجابية أو السلبية التي يتعرض لها الطفل في تلك الفترة العمرية تعد أحداثا تحور تحويرا مهما في صلب شخصية الفرد. إذا الدور الأكبر في التربية من المفترض أن يكون على الأسرة, لكن الواقع الحالي يعطينا نتائج شديدة السلبية عن الجهود الأسرية في توجيه الأبناء وتربيتهم, حيث الانحرافات والجرائم والابتزاز وغيرها من السلوكيات الأخرى التي تسجلها الدراسات وينشرها الإعلام.
كثير من الأسر تحار لوقت طويل في اختيار مدرسة معينة لأبنائها سواء في بداية إدخال الطفل المدرسة أو حتى بعد دراسته مراحل معينة ورغبة الأسرة في نقله من مدرسة إلى أخرى، كما أن كثيرا من الأسر أيضا تحرص على تسجيل أبنائها في دورات لغات وكمبيوتر وغيرها, لكن مع هذا كله, إلا أن هناك نقطة, ربما غفل عنها كثيرون, وهي تنمية الفكر الانتقائي والوعي لدى الأبناء في الحياة العملية. ولعل انتشار السحر والشعوذة من الأمور التي تغذيها الثقافة الشعبية في المجتمعات العربية وفي مجتمعنا المحلي تحديدا, حيث تنتشر الأفكار الخاطئة ويفتقد الفرد التمييز بين الصواب والخطأ في قبول أو رفض الخزعبلات الشعبية, فلا توجد "فلترة" ذهنية على الرغم من ارتفاع المستوى التعليمي لدى البعض, فقد نجد فتاة جامعية تنقاد خلف عصابة مشعوذات من أجل البحث عن الحظ أو القضاء على العنوسة أو قراءة الفنجان أو التعرف على المستقبل, والدوافع متعددة, لكن المشكلة أنه لا يوجد فعلا ما يردع الفتيات أو النساء خاصة عن تلك القنوات الابتزازية التي تجد بيئة خصبة لدى كثيرات ممن لا يستطعن الحكم ولا التفرقة بين ما يجب وما لا يجب, بل إن الأمر أحيانا قد يتجاوز الشرك الأصغر إلى ما هو أدهى وأمر, بل إن هؤلاء العصابات قد يدفعن إلى كوارث أكبر كالدعارة وترويج المخدرات بطرق غير مباشر وغيرها, فنحن نقرأ يوميا عن عصابات كهذه, لكننا يجب أن نتخيل في المقابل أعداد الضحايا خلف تلك العمليات, وليس من الضروري أن يكون لدينا واقع ديني متطرف لنحمل وازعا دينيا إيجابيا, لكن تفهم الدين بوسطيته وسماحته واعتباره عقيدة تيسر حياة الإنسان, هو الأمر الذي يردع عن تلك الخرافات التي لا تجد انتشارا إلا في الأوساط المغلقة فكريا, وليس من الضروري أن تكون منخفضة تعليميا, بل ربما يكون العكس, فقد لا يكون الجهل جهل العلم, لكن الجهل الحقيقي هو نقص الخبرة الإدراكية التي تتقلص عند البعض من قلة الوعي بالمعايير الحقيقية لانتقاء السلوك.