مسؤولية مَن؟
من المتعارف عليه في ثقافة الاستهلاك، أن المستهلك هو صاحب القرار فيما يختار من منتجات، فهو من سيدفع, وهو من سيستهلك, لكن ما المعايير التي في ضوئها اتخذ ذلك المستهلك قراره الشرائي؟ في الغالب أن العلامة التجارية هي أحد أهم المعايير تلك، وذلك كون المستهلك يحمل غالبا تصورا إيجابيا أو سلبيا عن تلك العلامة, سواء من حيث السعر أو الجودة أو غير ذلك, هذا من جانب المستهلك, أما من جانب مالك العلامة التجارية, وهو موضوع حديثنا اليوم, فطالما أن المالك يعلم أن العلامة التجارية التي يحملها المنتج هي أحد أهم المحفزات التي تدفع المستهلك لاتخاذ القرار الشرائي بناء على التصور المسبق لديه, فإنه يسعى دوما إلى تحسين صورة المنتجات التي تحمل تلك العلامة في ذهن المستهلكين الحاليين منهم أم المتوقعين، وذلك من خلال عدة وسائل لعل من أهمها الإعلان والتسويق المتعارف عليهما, وطالما أن هناك عملا مستمرا في تحسين صورة تلك العلامة التجارية, فهذا يعني أن الثقة بالمنتج ستزداد, وبالتالي حجم الطلب الكلي, ومع مرور الوقت وتزايد الثقة والطلب يصبح لتلك العلامة التجارية قيمة في سوق العلامات التجارية, والأمثلة على ذلك كثيرة, فعلي سبيل المثال نجد أن علامة «جوجل» حاليا, وفي آخر تصنيف صادر من مؤسسة ميلوارد براون لعام 2010, بلغت قيمتها 114 مليار دولار كأغلى علامة تجارية حاليا. والسؤال الطبيعي هنا وفي هذا المقام: هل هناك عاقل, أو قل نصف عاقل سيترك ذلك المال من دون حفظ وحماية من السرقة أو الاحتيال بالوسائل كافة؟ أعتقد, بل أجزم وأنتم لا شك تتفقون معي على أن من أهم الأولويات لهذا المال (العلامة التجارية) هي الحفظ والحماية, ومن ثم العمل على التنمية والتطوير. وإذا اتفقنا على ما سبق، فماذا يقال عن منتجات تحمل علامة تجارية, يبلغ حجم المستهلكين لها أكثر من 1.5 مليار مستهلك, وثقتهم بتلك المنتجات ليس لها حدود، وأولئك المستهلكون يتزايدون باستمرار حول العالم تلقائيا؟ بمعنى أن الطلب على تلك المنتجات مستمر ومتنام, والمعيار أو الدافع الوحيد لاتخاذ القرار الشرائي هو وجود تلك العلامة التجارية في المقام الأول، وإضافة إلى ذلك فإن تلك العلامة لا تحتاج إلى مال أو جهد لتحسين صورتها في أذهان المستهلكين, كون الصورة الذهنية عن تلك العلامة تم تخزينها في العقل الباطن للمستهلك وبشكل إيجابي جدا ومنذ الصغر.
ألا تعتقدون أن قيمة تلك العلامة التجارية لا تقدر بثمن، وإذا افترضنا تقديرها بثمن فكم مليارا ستكون قيمتها؟ ولنفترض جدلا أن قيمتها المالية بعدد مستهلكيها فقط، وهذا افتراض غير واقعي! أي أن قيمتها المالية 1.5 مليار دولار, فطالما أن قيمتها بهذا الحجم .. فهل هناك عاقل يترك هذا المال على قارعة الطريق من غير حفظ وحماية من السرقة والاستغلال, فضلا عن تنميته وتطويره؟ الإجابة قطعا لا, وألف لا. تلك العلامة التجارية التي أتحدث عنها هنا هي الإسلامي, أو الإسلامية ـ إن صح أن نسميها ذلك, هذه العلامة على الرغم من قيمتها الكبيرة لدى المسلمين الذين يمثلون ربع سكان العالم حاليا, إلا أنها أصبحت حقا مشاعا لمن أراد أن يسوق لمنتجاته لذلك الحجم الهائل من المستهلكين حول العالم, ولعل واقعنا الحالي شاهد على ذلك, فمنتجات البنوك أصبحت إسلامية ( تمويل إسلامي, بطاقة ائتمان إسلامية), والمنتجات الاستهلاكية كذلك (ثوب إسلامي, جوارب إسلامية، لحوم إسلامية), ولا تدري مدى ارتباط تلك المنتجات بالإسلام من عدمه! وعلى باقي المنتجات فقس، والسؤال هنا بل الأسئلة هنا: هل هناك جهة موكل إليها حفظ هذا المال من السرقة والعبث المحموم ؟ هل هناك معايير يجب أن تنطبق على المنتج حتى يكون إسلاميا أم لا؟ وإذا كانت هناك معايير، فما الجهة المخولة بتطبيق تلك المعايير؟ وهل هناك مرجعية معينة بعينها لها الحق في منح أو رفض هذه العلامة (إسلامي ) لمن أراد أن يضعها على منتجاته؟ وهل, وهل, وهل؟ أسئلة كثيرة أجزم أن كثيرا منا لا يملك الإجابة عنها, ومن لديه إجابة فلا يبخل علينا بها, وأجزم أيضا, وهذا ليس تشاؤما بل حقيقة يجب أن نعترف بها, أن الإسلام الذي هو أغلى وأثمن ما نملك, أصبح ـ مع الأسف، وأقولها وبمرارة، وسيلة مباح استغلالها بكل الطرق لتحقيق غايات مادية زائلة, وممن؟ من أبناء الإسلام أنفسهم.