معوقات قضاء التأمين بالمملكة (1 من 4)

القضاء التأميني في جزء كبير منه هو قضاء '' لجان '' فالتأمين لا يخضع للقضاء العادي المتمثل في المحاكم على اختلاف اختصاصاتها. ومع كثرة اللجان شبه القضائية وتشتتها إلا أن الحاجة إليها تبدو ملحة إلى الآن، فهذه اللجان التي جاءت بها بعض الأنظمة على اختلاف مجالاتها هي ''ضرورة'' نظراً لأهمية الموضوع الذي يعالجه هذا النظام أو ذاك، وكذلك الحاجة إلى وجود جهة تفهم النظام والمراد ومنه وتضمن التطبيق الأمثل له.
هذه اللجان استطاعت أن تؤسس لفكرة القضاء النوعي، وكذلك أسهمت في وضع مبادئ مهمة في المجال الذي تعمل فيه ومنها على سبيل المثال لا الحصر اللجان العمالية واللجان الجمركية بل حتى بعض اللجان التي لا تستند في عملها إلى '' نظام صادر'' كلجنة تسوية المنازعات المصرفية، حيث استطاعت هذه الأخيرة أن تؤسس لمبادئ مهمة في القضاء المصرفي السعودي. ولا يخرج عن هذا الاعتبار ما جاء به نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر عام 1424هـ حينما تبنى إنشاء لجان فض منازعات التأمين وأسند إليها اختصاصات مهمة.
ولجان فض منازعات التأمين هي نقلة مهمة في تاريخ قضاء التأمين بالمملكة، فهذه الخطوة جاءت لدعم فكرة وجود قضاء متخصص في التأمين بالمملكة نظراً للأهمية الكبرى التي يُعوّل عليها من صناعة التأمين بالمملكة.
وعند الحديث عن المعوقات التي تعتري وجود هذا القضاء الخاص بالتأمين فإنه يمكن إرجاعها إلى ثلاثة؛ وهي إما تنظيمية متعلقة بغياب القواعد التي تُعنى بالأحكام الموضوعية للتأمين بالمملكة بما فيها الإشكالية الشرعية. وإما قضائية متعلقة بعدم تأسيس قضاء مختص بالتأمين وبدرجتيه، وهذا في حقيقة الأمر أدى إلى عدم انسجام مع الجهة القضائية الرقابية الحالية وهي ديوان المظالم علاوة على بعض الاختصاصات التأمينية المسنودة بداءة إلى ديوان المظالم. وهناك أيضاً معوّق مستند إلى نقص الكفاءات البشرية التأمينية التي يجب أن تكون ضمن الكوادر البشرية العاملة في تلك اللجان، وكذا عدد اللجان العاملة بالمملكة.
وفيما يخص الجانب التنظيمي والمتعلق بعدم وجود قواعد موضوعية تحكم التأمين بالمملكة، فمن المناسب أن نعلم أن الأنظمة في المملكة على اختلاف مجالاتها تُعد أحد أشكال ''التقنين'' في المجال الذي تصدر فيه، ولذلك فإن اللجان التي يُنص على إنشائها وفق هذه الأنظمة لا تجد في الغالب إشكالاً في استنادها على نصوص هذه الأنظمة في كثير من قراراتها إلا أن الوضع يختلف قليلاً بالنسبة للجان فض منازعات التأمين، فهذه اللجان لا تجد في نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني أية قواعد موضوعية تحكم المسائل المتعلقة بالنزاعات في التأمين، فاللجنة تحتاج إلى قواعد موضوعية تستند إليها في قراراتها وتُبعدها عن الاجتهاد خارج النصوص وتتحقق من خلالها وحدة أحكامها ويقوّي عامل الرقابة الموضوعية على قراراتها. فنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني على الرغم من أنه أشار على استحياء إلى مسألة موضوعية واحدة ومهمة وهي وجوب أن تعمل الشركات بأسلوب التأمين التعاوني إلا أنه لم يضع أية قاعدة موضوعية في هذا الشأن، وإنما أحال على النظام الأساسي للشركة الوطنية للتأمين التعاوني, وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وما عدا ذلك فقد انصرف النظام إلى الجوانب الشكلية البحتة.
وإزاء غياب هذه الجوانب الموضوعية فقد وجدت لجان التأمين نفسها في حرج كبير نظراً لأن المسائل الموضوعية التي ينبغي التصدي لها على درجة عالية من الحساسية وهي إما مسائل تمس الجوانب الشرعية أو أنها تمس الجانب التأميني الفني البحت والذي لا تملك اللجان فيه أية خبرة موضوعية تمكنها من سد النقص الذي في النظام، وهذا قاد في نهاية المطاف إلى أن تكون هذه اللجان فاقدة شخصيتها التأمينية وأن تكون قراراتها من الناحية التأمينية عرضة لنقد كبير. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي