نمو عالمي في ساحة مضطربة

في زحمة حراك التعريفات الجمركية الجديدة حول العالم، بفعل التحرك الأمريكي المعروف بهذا الصدد، يعود السؤال الأهم إلى الواجهة، ما مصير النمو العالمي لهذا العام والسنة المقبلة؟ هذا النمو الذي يتعرض للتعديل غالباً ما يكون نحو الخفض، واجه مصاعب جمة منذ مطلع العقد الحالي، بفعل جائحة "كورونا" وتداعياتها الاقتصادية عموماً، وأمة التضخم التي جلبتها معها، إلى جانب تعمق حالة عدم اليقين الاقتصادي في كل الاقتصادات بما فيها الكبرى منها.
يضاف إلى ذلك، الصراعات الجيوسياسية التي لاتزال حاضرة في الميدان هنا وهناك. وبالرغم من أن المعرك التجارية لم تغب هي أيضاً في الفترة الماضية، إلا أنها أخذت أشكالاً أكثر عدوانياً مطلع السنة الجارية، ما رفع من وتيرة الضغوط على مسار النمو العالمي.

يصعب العثور على تعديلات تصاعدية حيال النمو العالمي، باستثناء توقعات صندوق النقد الدولي الأخيرة، القابلة هي الأخرى للتعديل (ربما بالخفض) في الفترة المتبقية من هذا العام. كل التوقعات سارت نحو الهبوط، وبمستويات متواضعة. المشكلة التي يبدو أنها لن تغيب قريباً، ما زالت مرتبطة بمستويات التضخم التي لا تزال مرتفعة في أغلبية البلدان، مع بعض الاستثناءات.
فما زالت أغلبية البنوك المركزية حذرة جداً حيال هذا الأمر، ما يؤثر بالضرورة في حراك النمو. فلا بد من خفض تكاليف الاقتراض من أجل توفير قوة دفع للنمو الاقتصادي عموماً، وهذا ما تسعى إليه معظم الحكومات، التي لا تسيطر عملياً على قرارات بنوكها المركزية. تكفي الإشارة هنا إلى "الصراع" المعلن الراهن، بين البيت الأبيض الأمريكي والمجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة. دونالد ترمب يريد فائدة منخفضة، و"الاحتياطي" لا يرغب بها.

لو صدقت توقعات "النقد الدولي" بنمو اقتصادي للعام الحالي بنسبة 3%، و3.1 في السنة المقبلة، فإن ذلك يعد مقبولاً وسط الأجواء السلبية العالمية. إلا أن تأثيرات التعريفات الجمركية الجديدة لن تظهر قبل أشهر من الآن، إضافة طبعاً إلى تمسك المشرعين الماليين في البلدان الكبرى على وجه الخصوص، بضرورة السيطرة على التضخم، وعدم خفض الفائدة إلا في الحدود الدنيا إن لزم الأمر.
إلى جانب عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بتخفيف حدة النزاعات الجيوسياسية، بل إن بعض هذه النزاعات تفاقمت في الأشهر القليلة الماضية. المسألة تحتاج لمزيد من الوقت، حتى مع تحسن ملحوظ في بعض الاقتصادات المؤثرة عالمياً، بما في ذلك الأمريكي منها.

المشهد العام ليس واضحاً، مع تباطؤ واضح جداً للإنتاجية، المرتبطة بالنمو الاقتصادي على المدى البعيد. ولا بد من الإشارة هنا، إلا تراجع لم يتوقف على صعيد الاستثمارات، متأثراً بالطبع بحالة عدم اليقين.
فهذه الأخيرة تحتاج إلى بيئة أكثر استقراراً، وسياسات مالية أشد وضوحاً، وبالطبع تتطلب ميداناً تجارياً عالمياً متوازناً بعيداً عن النزاعات والمواجهات، والأهم الحمائية المفرطة. كل موقف متصلب بهذا الخصوص، يعني رفع حدة الاهتزاز الاقتصادي على مستوى العالم.

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي