عجز القيادة الهندية .. الأصابع تشير إلى حزبي المؤتمر وجاناتا
بينما يرضى حزبا المؤتمر الهندي وجاناتا، بل حتى أنهما سعيدان بتصوير أحدهما للآخر في ميزان أهداف السلطة الوطنية، وطموحاتها، فإن الوضع القائم يغطي أزمة خطيرة على مستوى القيادة السياسية، حيث لا بد من أن تتضح ملامحها خلال عام، أو عامين، على الرغم من أنها ليست موضوعاً لأي نقاش جاد على مستوى الهند.
يمكن القول إنه حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، فإن هذين الحزبين كانا وليدين لأصولهما المنفصلة والمختلفة للغاية في فترة ما قبل استقلال البلاد. وأصبح حزب المؤتمر الهندي بمثابة مركبة بلوغ الحرية لدى الزعيم الهندي المهاتما غاندي، وذلك للخلاص من الحكم البريطاني. لكن هذا الحزب سعى إلى نيل السلطة الوطنية، وحصل عليها بعد عام 1947، وذلك ضد إدارة غاندي. وأما حزب جاناتا، أو بالأحرى سلفه، جانا سانجا، فقد تم إنشاؤه لتجسيد وجهات النظر الوطنية لبعض قادته على أمل أن يزداد اتحاداً وقوة بمرور الزمن.
لم يتمكن حزب المؤتمر من إدخال تعديلات مبكرة لدى بروز سياسة تكوين التحالف في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأوائل التسعينيات، حيث جاء ذلك على حساب تراجعه. ومنذ ذلك الوقت، مضى حزب جاناتا في اكتساب مزيد من القوة، وبرز كثاني أقوى حزب في البلاد في انتخابات عام 1996، إذا استطاع تكوين رأسمال قوي نتيجة لذلك. واستطاع الحزب تكوين تحالف أصبح فيه زعيمه فاجبايي رئيساً لوزراء الهند.
استمر هذا الترتيب السياسي فترة ست سنوات تمكن خلالها حزب المؤتمر الهندي من جعل الحكومة ترتكب عدداً من الأخطاء الكبرى، بحيث يضمن له ذلك التفوق على حزب جاناتا في الانتخابات العامة المقبلة الحاسمة. وفي الوقت ذاته أصبح عدد من أحزاب التحالف مثل سواديشي مانش، وبهارتا سنجالا، كيانات معارضة لحكومة فاجبايي. وكانت الفكرة من وراء كل ذلك احتلال جميع مقاعد المعــــارضة السيـــاسية، وترك حــــزب المــؤتمـــر فارغــاً، وبعيــداً عن السلطة. وأثبتت انتخابات عام 2004 أن استراتيجية حزب المؤتمر الهندي كانت صائبة.
لقد لعب حزب المؤتمر على أوتار سياسته ذاتها خلال فترة السنوات الست التالية لذلك أثناء الفترة الثانية لرئاسة مانموهان سنج الحكومة. ويأمل الحزبان الرئيسان الآن أن أخطاء الحكم الحالية ستمهد لكل منهما سبيل النجاح في خوض الانتخابات العامة المقبلة. ولذلك يريد حزب جاناتا من الحكومة الاعتذار عن تمكين الرئيس التنفيذي لشركة يونيون كاربيد، أثناء كارثة بهوبال، من النجاة من مواجهة العدالة. وكان ذلك الحزب حريصاً للغاية كذلك على الدعوة إلى ضغط النفقات أثناء إحدى جلسات الميزانية، مع أنه أعلن أنه لا يوجه بذلك انتقادات إلى الحكومة.
في الوقت ذاته يلعب حزب المؤتمر الهندي بقيادة سونيا وراهول غاندي، دور الوجه الجيد في الحكومة السيئة. وكانت السنة الأولى من الفترة الثانية لرئاسة سنج مجلس الوزراء الهندي بمثابة كارثة كاملة، حيث ارتفعت أسعار الغذاء بصورة شديدة، وظهرت أزمة حادة في القطاع الزراعي، وزاد عدد العاطلين عن العمل، كما لا توجد هناك آفاق لزيادة مستويات التشغيل، أو الحد من الفقر. ومن خلال ابتعاد سونيا وراهول غاندي، عن رئيس الوزراء، والنأي بنفسيهما عن كثير من سياساته المعلنة، فإنهما يلعبان دوراً أقرب إلى دور زعماء حزب جاناتا وغيره من معارضي رئيس الوزراء، ذلك الدور الذي لعبته أحزاب المعارضة للحكومة خلال سنوات عملها الست الأولى.
أما مدى المكاسب التي يمكن أن تتسبب فيها هذه الموجات من الدخان، فلن يظهر إلا خلال الانتخابات العامة المقبلة في الهند. غير أن من المتوقع أن هذه المناورات ستعرّض البلاد إلى عجز قيادي على نحو قبيح. وعلى الرغم من أن حزب جاناتا يتحرك في السر باتجاه العودة إلى تسلم زمام السلطة، إلا أنه يدعي أن لديه نموذجين للحكم هما نارنورا مودي من كوجارات المحتمل ألا يكون مقبولاً على النطاق الوطني، وشيفراج سنج من مادهيا براديش، الذي لم تتم تجربته على المستوى الوطني.
أما حزب المؤتمر فليس لديه في الوقت الراهن نموذج مرشح للحكم. كما أن النموذج القائم المتمثل في رئاسة سنج مجلس الوزراء، تحت رقابة وإشراف سونيا غاندي، أمر سخيف، وأثبت, من الناحية الفعلية، أنه غير قادر على تحقيق النجاح.
على أية حال، فإن من المرتجى أن يكون راهول غاندي الخليفة المحتمل لرئيس الوزراء، سنج. ومن شأن ذلك أن يجعل النموذج الحاكم الحالي أكثر بعداً عن الارتباط بالواقع، حيث إن أسلوب الوجه الجيد في الحكومة السيئة لن يكون فاعلا. كما أن راهول لم يبد حتى الآن أي ميل إلى الحكم، إضافة إلى أنه لا يتمتع بصفات رئيس الوزراء. ولدى حزب المؤتمر جيل ثانٍ من القيادة، لكن جميع أفراده من أبناء وبنات زعماء هذا الحزب. ولم يظهر أي من أفراد الجيل الثاني مواهب تفوق ما لدى راهول غاندي حتى الآن.
إن الهند أحد أشد البلدان تعقيداً من حيث قدرة الآخرين على فهمها، كما أن قليلين هم من حكموها بعمق ومعرفة، إذ إن جيل الزعماء المنحدرين من فترة ما قبل استقلال البلاد اندثر من الناحية الفعلية، مع استثناءات قليلة للغاية، مثل فاجبايي الذي يعد آخر واحد منهم استطاع أن يحكم البلاد بطريقة معقولة. ولم يعد حزب جاناتا يستفيد من فاجبايي، كما أنه ليس لدى حزب المؤتمر الهندي مثل هذه الشخصية كي يتعلم منها. وبينما تصارع الهند في طريقها كي تصبح قوة عظمى، بكل هذه الآلام التي تبرز إلى السطح في هذه الفترة، فليس هنالك من يصلح لزعامة الهند سواء في حزب المؤتمر أم في حزب جاناتا.
يظهر أن هذين الحزبين يكتفيان في الوقت الراهن بإظهار تفوق أحدهما على الآخر ضمن دهاليز اللعبة السياسية. ويبدو كذلك أن هناك وضعاً مخيفاً للغاية في هذه اللحظات الجادة والحاسمة للهند. غير أنه ليس هناك من يهتم بذلك.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA