هل ينجحون في خفض الديون ومنع الركود؟

عولج الركود الاقتصادي الذي أصاب العالم عام 2009 بصب النقود صبا، بما يعرف بالحوافز النقدية والمالية. ويدور النقاش حول استراتيجية الخروج من هذه الحوافز, هناك من يضغط باتجاه التعجيل, وهناك من يدعو إلى التأخير.
التعجيل قد يوقف عجلة تعافي الاقتصاد العالمي، والغربي منه خاصة, والتأخير يفاقم مشكلة الديون السيادية (الحكومية). وقد قدر صندوق النقد الدولي أن نسبة الإنفاق الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في مجموعة العشرين G20 ستزيد بنحو 40 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة. وقد يجر التأخير إلى مزيد من التضخم، كما قد يجر إلى مزيد من مزاحمة الاستثمار الخاص، بمعنى أن استدانة الحكومة تقلل المال المتاح للقطاع الخاص. وهناك من يشكك في حدوث الأمرين, التضخم والمزاحمة، أو على الأقل يقلل من قوتهما. من الممكن أن يخفض حجم هذه الديون بتقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب وزيادة التضخم، عبر سداد جزء من الديون بإصدار مزيد من النقود, كما فعلت الأرجنتين ودول أخرى في سنوات خلت. لكن التضخم يعني ارتفاع أسعار الفائدة ذات الأجل الطويل، ما يعني تلقائيا إضعاف النمو الاقتصادي. عودة حالة الركود التي أصابت الاقتصاد العالمي العام الماضي تسمى أحيانا الركود المزدوج, وربما يتطور الأمر إلى انكماش. خلال السنوات الماضية كانت كثرة من البلدان تنفق استهلاكا واستثمارا أكثر من دخلها، ومن أشهر أمثلة هذه البلدان أمريكا وبريطانيا وأغلبية دول جنوب أوروبا ودبي. في المقابل، هناك دول تنفق أقل من دخلها وعلى رأسها الصين. وتستثمر دول الفائض بعض أموالها الفائضة في إقراض مجموعة العجز التي تنفق أكثر من دخلها.
مطلوب من مجموعة العجز خفض إنفاقها العام والخاص وخفض العجز التجاري. لكن خفض الإنفاق دون أن يقابله زيادة إنفاق من مجموعة الفائض تعني في النهاية تراجع الطلب الكلي العالمي، ومن ثم انكماش الاقتصاد العالمي. العالم أمام معضلة، وطرح باحثون رؤى للخروج من هذه المعضلة. وأشير هنا إلى مقالة روبيني، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك ''كيف نتجنب الركود العالمي المزدوج''، المنشورة في ''الاقتصادية'' السبت 19 حزيران (يونيو). قسم روبيني بلدان العالم إلى مجموعات أهمها أربع: مجموعة التقشف المبكر ومجموعة التهيؤ للتقشف ومجموعة دول مفرطة في الادخار ومجموعة ذات فائض في الحساب الجاري، وأعطى لكل مجموعة وصفة للعلاج، تراوح بين التساهل في السياسة النقدية والاحتفاظ بالحوافز المالية إلى أجل وخفض فائض الحساب الجاري.
وقد حث الرئيس الأمريكي بصورة غير مباشرة مجموعة الفائض إلى زيادة الإنفاق، ضمن رسالة منه إلى قادة الدول في مجموعة العشرين G20 المقرر عقد قمتها في كندا يومي 26 و27 من الشهر الحالي. وأشار أوباما في رسالته المنشورة إلى أهمية رفع مستوى الطلب المحلي وإعطاء وزن أكبر لقوى السوق في تقرير أسعار الصرف. وفهم المحللون من حديث الرئيس أنه يعني الصين في المقام الأول, حيث أشار إلى القلق أو الانزعاج من طلب ضعيف للقطاع الخاص واعتماد مبالغ فيه على الصادرات من قبل بعض الدول، التي تملك فوائض خارجية كبيرة. الصين بدورها سارعت بالرد بأن لقاء مجموعة العشرين ليس المكان المناسب لبحث قضية أسعار الصرف. ذكرني رد الصين برد أمريكا المعتاد في رفض محاولات الأطراف العربية وغير العربية إدخال طرف ثالث محايد لمناقشة أو التحقيق في أي اعتداء أو تصرف إسرائيلي مخالف للقوانين والأعراف الدولية.
كانت الصين ساعية نحو رفع قيمة عملتها الرنمبي، لكن تدهور اليورو تجاه الدولار يبدو أنه أوقف مساعي الصين.
في إطار هذه المعضلات التي تواجه الاقتصاد العالمي، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الخميس الماضي وبحثوا سبل إنعاش النمو الاقتصادي والحد من مخاطر الديون العامة المتفاقمة, ووافقت القمة على إخضاع مشاريع موازناتها الوطنية في ربيع كل سنة للدراسة على المستوى الأوروبي اعتبارا من 2011 قبل أن يتم إقرارها في البرلمانات الوطنية, كما وافقت على نشر نتائج عمليات تقييم بنوك الاتحاد لتعزيز ثقة المستثمرين، ووافقت على الحاجة إلى فرض ضريبة جديدة على البنوك داخل الفضاء الاقتصادي والنقدي الأوروبي بعد تعافيها من الأزمة المالية.
أما في دول مجلس التعاون الخليجي فقد أسهم الفائض في مالية الحكومات في تدفق الإنفاق الحكومي بوتيرة قوية خلال عامي الأزمة المالية العالمية، ما جنب اقتصاد المجموعة ككتلة واحدة من الوقوع في نمو سلبي. ويتوقع أن يحافظ الإنفاق الحكومي على زخمه خلال العام الحالي والأعوام القليلة المقبلة, إلا أن أزمة الديون الحكومية أثرت سلبا, لكن بصورة معتدلة, في توقعات النمو لاقتصاد المملكة وبقية دول مجلس التعاون، وكانت أداة التأثير الأهم تقلبات أسعار النفط.
وحسب استطلاع لـ ''رويترز'' لتوقعات اقتصاديين نشر الخميس الماضي، من المتوقع أن تسجل قطر هذا العام أعلى نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي بين دول المجلس، الذي يتوقع أن يزيد قليلا على 15 في المائة، مدعوما بزيادة إنتاج الغاز والإنفاق الحكومي، مقارنة بحجم اقتصاد صغير. أما الدول الأخرى فيتوقع أن يقلل مستوى النمو عن 10 في المائة. ومن المتوقع أن تسجل السعودية نموا بنسبة 3.7 في المائة انخفاضا من نحو 4 في المائة في توقعات نيسان (أبريل)., لكنه سيظل أعلى من نمو في حدود 0.5 في المائة سجل العام الماضي 2009.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي