ما بعد الحوار الاستراتيجي الأمريكي ـ الهندي .. هل يتم إصلاح العلاقات؟

أنجزت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أوائل حزيران (يونيو) أول حوار استراتيجي لها مع الهند. وفي أعقاب هذا الحوار، ورغم قلة، أو انعدام التعليق عليه في الصحافة الأمريكية، فإنه يبدو من الواضح أن علاقات البلدين التي تعرضت لتوترات خلال الفترة الأخيرة، في طريقها إلى التحسن والإصلاح. والمعروف أن العلاقات الأمريكية الهندية خلال فترة الحرب الباردة كان يشوبها كثير من انعدام الثقة، وكذلك التوتر. ولم تكن لدى الولايات المتحدة مصالح استراتيجية، أو دبلوماسية، أو تجارية، مع الهند. وبالتالي فإن السياسيين الهنود, الذين كانوا أكثر ميلاً إلى سياسة عدم الانحياز, وجدوا أنفسهم على خلاف مع الولايات المتحدة.
لقد أدت نهاية الحرب الباردة إلى فتح آفاق تحسين العلاقات الأمريكية مع الهند، وذلك حين تخلت الأخيرة عن توجهاتها الاشتراكية المتشددة، وفتحت بذلك المجال كي تتقدم الولايات المتحدة على طريق تحسين العلاقات معها. ويضاف إلى ذلك أن علاقات الهند مع روسيا، وهي الوريثة الكبرى للاتحاد السوفياتي، لم تكن قوية، كما أنها لم تكن ذات تأثير في الولايات المتحدة. وأخيراً، فإن الهند، من خلال إدراكها الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة، رأت أن في مصلحتها تحسين العلاقات مع واشنطن.
مع ذلك، فإن ثقل ضعف علاقات الماضي، ومحدودية الروابط، ووجود سببين رئيسيين للخلاف، عملت على إعاقة توسع آفاق التقارب بين نيودلهي، وواشنطن. وظلت تركة الحرب الباردة تلوح بقوة في آفاق تحسين وتطوير العلاقات بين الجانبين، حيث ظلا يتذكران أحداث أهم تصادم لمصالحهما في كثير من القضايا.
وعلى الرغم من أهمية التوقعات الخاصة بالتعاون التجاري، والاستراتيجي بين البلدين، إلا أن المسافة بينهما ظلت بعيدة. ووجدت الولايات المتحدة والهند أنهما على خلاف مستمر بسبب المستقبل النووي للهند، وكذلك في قضايا متعلقة بحقوق الإنسان في إقليم كشمير. وهكذا، فإنه على الرغم من وضوح المصالح المشتركة للطرفين في عدد من المجالات، إلا أن العلاقات بينهما ظلت ضعيفة خلال فترتي رئاسة بيل كلينتون.
ولم تتجاوز الولايات المتحدة تحفظاتها على التجارب النووية الهندية عام 1998 إلا خلال الفترة الأخيرة من ولاية كلينتون الثانية، حيث بدأت علاقات الطرفين تظهر إشارات نحو حالة من الدفء. وكانت نقطة التحول تتمثل في موقف الولايات المتحدة من صراع منطقة كارجيل عام 1999، حيث تبنت الإدارة الأمريكية موقفاً بين أن باكستان خرقت الحدود بين البلدين في جامو وكشمير، وأن عليها أن تعود إلى المواقع التي كانت فيها قواتها قبل نشوب هذا الصراع.
نتيجة لذلك، قام الرئيس كلينتون بزيارة الهند، وذلك للمرة الأولى، حيث أمضى فيها خمسة أيام. وحتى يظهر كيفية نظر إداراته إلى علاقاتها في المنطقة، فإنه لم يمض في باكستان سوى خمس ساعات، وتحدث عن علاقات التحالف الأمريكي مع دول المنطقة في خطاب متلفز.
استفادت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش من هذا الانفتاح الكبير في العلاقات الأمريكية الهندية، حيث رأت الإدارة الأمريكية، منذ أيامها الأولى في السلطة، أن الهند يمكن أن تكون حليفاً استراتيجياً لها في مواجهة النفوذ المتزايد للصين. ولم يكن كثير من السياسيين في الهند راغبين في لعب دور العميل للولايات المتحدة على صعيد استراتيجي في منطقة جنوب آسيا. ومع ذلك، فإنهم كانوا يبدون مخاوفهم من القوة المتزايدة للصين، وبالتالي فإنهم رأوا ألا بأس في الدخول في تحالف محدود مع الولايات المتحدة.
غير أن الأمر الأكثر من ذلك، هو أنه بعد الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة عام 2001، سعى الجناح اليميني في التحالف الذي كان يقوده حزب جاناتا في الهند إلى ربط الهجمات الإرهابية التي تقع في الهند مع الحرب الأمريكية على الإرهاب. وأثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها بسبب عدة عوامل منها جوار باكستان لأفغانستان، واعتماد الولايات المتحدة على باكستان لاجتثاث جذور القاعدة. غير أن جهود حزب جاناتا لجعل الولايات المتحدة تزيد من ضغوطها على باكستان لإيقاف الهجمات الإرهابية على الأراضي الهندية لم تحقق سوى درجة محدودة من النجاح على أرض الواقع.
وعلى الرغم من ضعف التقارب حول هذه القضية الإقليمية المركزية، إلا أن علاقات واشنطن مع نيودلهي استمرت في طريق التحسن في مجالات أخرى تتدرج بين التجارة والعلاقات العسكرية. وتم تتويج حالة التقدم هذه بالاتفاقية الخاصة بالتعاون النووي السلمي بين الطرفين في عام 2008. وحين غادر بوش مكتبه في البيت الأبيض كانت علاقات الطرفين تمر بحالة من التحول الحقيقي.
أما إدارة أوباما، فاظهرت اهتماماً أقل بهذه العلاقات منذ أيامها الأولى في السلطة، وأبدت كذلك اهتماماً أكثر بتطوير العلاقات مع الصين، وكان الأسوأ من كل ذلك أن بياناً صدر بعد زيارة أوباما للصين، منح بكين دوراً رئيساً في تهدئة حالات التوتر القائمة في منطقة جنوب آسيا. وأبدى عدد من المسؤولين السياسيين في الهند غضبهم إزاء هذا التوجه، ولا سيما في ظل سجل الصين في تحريك قضايا الخلاف في المنطقة، وكذلك استمرار النزاعات الحدودية بين نيودلهي وبكين.
حاولت إدارة أوباما، منذ ذلك الحين، تهدئة المشاعر الهندية. وبالتالي، فإن جولة الحوار الاستراتيجي التي تمت خلال الفترة الأخيرة يمكن اعتبارها خطوة مفيدة إلى الأمام. وظل مسؤولون أمريكيون على مستوى رفيع يؤكدون قبل الحوار وبعده, الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين واشنطن، ونيودلهي، ووجود عدد من «القيم المشتركة» بين الطرفين. ويضاف إلى كل ذلك أن الرئيس أوباما وصف الهند بأنها شريك لا يمكن الاستغناء عنه. وتشير هذه التصريحات, إضافة إلى النقاش الخاص بقضايا رئيسة تشمل التعاون في مجالات الطاقة، ومبيعات الأسلحة، والتنمية الزراعية، والأمن الغذائي، إلى أن علاقات الطرفين تستند في الوقت الراهن إلى قاعدة أقوى.
مع ذلك، تظل هنالك أربعة مصادر للقلق من الجانب الهندي، حيث يريد الهنود أولاً رفع قيود الاستيراد عن المؤسسات التابعة للدولة في الهند. ويختلفون مع واشنطن كذلك بخصوص مبيعات السلاح الأمريكي إلى باكستان، كما يبدون آراء خاصة بهم فيما يتعلق بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وينظرون بقلق إلى تطورات العلاقات الأمريكية ـ الصينية، وما لذلك من أثر سلبي محتمل في العلاقات بين نيودلهي وواشنطن.
يرى الجانب الهندي أن تحسن علاقات الطرفين يعتمد على تطورات هذه الأمور الأربعة. وتركز الهند على ضرورة إزالة عوائق انتقال التكنولوجيا. ويركز الهنود كذلك على مسألة بيع أسلحة خارج نطاق مكافحة الإرهاب إلى باكستان. وتبدي الهند قلقاً خاصاً من الترتيبات الأمريكية ذات العلاقة بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، كما أن الهند مهتمة للغاية بمسألة العلاقات المتطورة بين واشنطن وبكين، وأثر ذلك في التوازن الأمني في منطقة جنوب آسيا.
أما الولايات المتحدة، فلديها على الأقل مصدران للقلق، حيث تريد واشنطن، إنهاء مسألة انكشاف الشركات الأمريكية المستثمرة في الهند في مجال الصناعة النووية، أمام عدد من التهديدات. وتريد الولايات المتحدة من الهند إقرار قانون يتيح للشركات الأجنبية الاستثمار في التعليم العالي الهندي، حيث إن الاتصالات بخصوص هذين الأمرين بطيئة منذ فترة من الزمن.
من الواضح أن هذه العلاقة التي تتطور في عدد من المجالات، لا تخلو من العوائق، والمشكلات. غير أنه بفضل هذا الحوار الاستراتيجي الذي اكتسب اهتماماً رئاسياً، فإن مستقبل العلاقات يمكن أن يكون أكثر إشراقاً بحيث لا تؤثر العوائق القائمة في مجمل عملية تقدم علاقات الطرفين. والأمر الأهم الآن هو كيفية متابعة طرفي العلاقة لعددا كبيرا من المبادرات والمحافظة على الاهتمام بمصالحهما المشتركة.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي