أنت منّوم مغناطيسيا

تخيل في ذهنك صورة فيل كامل النمو مربوطا من قدمه الخلفية بحلقة من الصلب مقدارها بوصتان ومتصلة بسلسلة طولها ستة أقدام مثبتة بوتد في الأرض، ورغم أنه يمكنه سحب الوتد في أي وقت يرغب في ذلك لكنه لا يفعل لاعتقاده بعدم قدرته ، فقد تم ربطه بالوتد عندما كان صغيرا ضعيفا، ولم يكن قويا لدرجة كافية تمكنه من تحريكه، فتبرمج بعدها على قبول الوتد كشرط دائم في حياته. ومع أنه مضى وقت طويل على محاولاته الأولى، وكبر الفيل بدرجة كافية لتحرير نفسه إلا أنه ما زال قانعا بمواصلة حياته في نطاق دائرة لا تتجاوز مساحتها ستة أقدام.
يشبه المثال السابق حياة كثير من الناس، فعديد منا مقيدون بمعتقدات زائفة واهنة مثل أغلال ذلك الفيل المسكين، تمنع قدراتنا من الانطلاق نحو آفاق أوسع للعيش. والشيء الوحيد الذي يمنعنا من كسر أنماط الحياة المقيدة هو الاعتقاد بأن السلسلة تعوقنا، ولا يهم من أين يأتي الاعتقاد، لكنه بمجرد زراعته في عقلنا اللاواعي فإننا نقبله باعتباره أمرا حقيقيا و نتصرف بأسلوب يتسق مع ذلك.
إن أنظمة معتقداتنا الشخصية تبدأ منذ الطفولة المبكرة بتصورات نتلقاها من الوالدين، و تؤدي دور مؤشراتنا الأولى لجدارتنا الشخصية، وبينما نكبر ونتطور توضع مرايات أخرى أمامنا من جانب أفراد الأسرة والأقران والمدرسين، و تصبح هذه الصورة قاعدة لصور الذات ونحن في رحلتنا نحو النضوج، مع أننا إذا جلبنا هذه المعتقدات إلى الإدراك المتفحص ونظرنا إليها نظرة نقدية فمن النادر أن تثبت جدواها تحت الفحص مرة أخرى، وعندما نعمد إلى تحدي معتقداتنا الزائفة ونستخدم إرادتنا وخيالنا المبدع لإيجاد معتقدات جديدة وصور جديدة عن ذواتنا، فإننا نستطيع تغيير مواقفنا وسلوكنا ونكتشف قدرات جديدة داخل أنفسنا.
ولذلك ليس هناك مبالغة إذا قلنا ،إن كل إنسان يجري تنويمه مغناطيسيا إلى حد ما عن طريق الآراء التي قبلها دون انتقاد من الآخرين أو أفكار كررها لنفسه حتى أقنع نفسه بصحتها، فلدى كل منا قناعات معينة عن أنفسنا وعن محيطنا نرى أنها صادقة حتى لو لم تكن كذلك، فلقد كانت قابعة لمدة طويلة ومبرمجة في العقل اللاواعي لدرجة عدم شعور العقل الواعي بها وكل ما ندركه هو نتائجها السلبية في مواقفنا، و هذا يجعلنا حريصين جدا بخصوص ما نقوله لأطفالنا. و قبل أن ننادي أحدهم "غبي" أو "حقير" أو "تافه"، فمن المهم جدا أن نسأل أنفسنا: هل هذه هي الطريقة التي أرغب لطفلي أن يكتسب بها خبرته عن نفسه؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي