تجارة الخليج .. ماذا لو تعرقلت؟

أحسب أنه لم يعد خافياً على أحد التصعيد في نبرة التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام قبل أيام حول الملاحة البحرية في الخليج العربي، ولا سيما تلك المنسوبة إلى مصادر في جمهورية إيران الإسلامية عن اعتزامها تفتيش السفن الأجنبية في الخليج فيما لو بادر مجلس الأمن إلى تنفيذ ما جاء في قراره الأخير رقم 1929 وتاريخ 9/6/2010م بخصوص تفتيش الشحنات القادمة إلى إيران بموجب البند (14) من القرار الذي نص على: «يطلب إلى جميع الدول أن تتولى، بما يتفق وسلطاتها وتشريعاتها الوطنية ويتسق والقانون الدولي، ولا سيما قانون البحار واتفاقات الطيران المدني الدولي ذات الصلة، القيام داخل أراضيها بما في ذلك في الموانئ والمطارات، بتفتيش كل الشحنات المتجهة إلى إيران أو القادمة منها، إذا كان لدى الدولة المعنية معلومات توفر أساساً معقولاً للاعتقاد بأن الشحنة تحتوي على أصناف محظور توريدها أو بيعها أو نقلها أو تصديرها». كما نص البند (15) بأنه «يجوز للدول، بما يتفق والقانون الدولي ولا سيما قانون البحار، أن تطلب إجراء عمليات تفتيش السفن في أعالي البحار بموافقة دولة العلم، ويطلب إلى جميع الدول أن تتعاون في عمليات التفتيش إذا كانت هناك معلومات توفر أساساً معقولاً للاعتقاد بأن السفينة تحمل أصنافاً محظور توريدها .. إلى آخره».
ذلك القرار وما تلاه من تصريحات يشكل مصدر قلق، بلا شك، لشركات النقل البحري وشركات التأمين التي تتابع الموقف بترقب وانتظار، وإن كانت تدرك كأي مراقب آخر التفوق الواضح في ميزان القوى الذي يتمتع به أحد طرفي النزاع. لكن من المؤسف أن أي حدث قد يلوح في الأفق لإرباك محتمل في حركة السفن المعتادة، مهما كان بعيداً أو كانت احتمالاته ضعيفة، يعد فرصة لتلك الشركات لرفع أسعار التأمين بشكل حاد كخطوة أولى، قد يليها تعليق كامل للخدمة كخطوة ثانية. ولنا أن نتصور حجم الأضرار الباهظة التي يقدر لها أن تصيب اقتصاد وأسواق الدول التي قد تجد نفسها في خضم تلك الأحداث عاجزة عن التعامل مع تداعياتها التي لم يكن لها أصلاً يد فيها.
لذا بات من الضروري أن نضع في حسباننا تلك الاحتمالات، ومراجعة قدراتنا اللوجستية لاحتوائها بهدف المحافظة على تدفق السلع إلى أسواقنا المحلية دون عراقيل أو زيادة في الأسعار. ومما يسجل للمملكة أنها سبق أن خاضت أحداثاً مماثلة أثناء حربي الخليج الأولى والثانية، وتمكنت بفضل الله تعالى ثم بحسن السياسة التي انتهجتها الحكومة في تجاوز تلك الأزمات بكفاية عالية. ولم يقتصر دور المملكة في إدارة تلك الأزمات آنذاك على سوقها فحسب، بل سخرت موانئها على ساحل البحر الأحمر لاستقبال البضائع التي كانت متجهة أصلا لأشقائنا في الخليج.
وما يضفي على الموضوع أهمية أكثر أن حجم التجارة في دول المنطقة اليوم، وبالذات المملكة، قد تضاعف مقارنة بما كان عليه قبل نحو عشرين عاماً. ذلك يدعو إلى الحرص على أن تكون معدات موانئنا، عمالتها، وتجهيزاتها الأساس كالكهرباء والطرق على أكمل وجه، ولا سيما أن المملكة مقبلة على ذروة موسمية في الاستيراد بمناسبة شهر رمضان المبارك. ثم هناك وسائل النقل بين الموانئ والوجهة النهائية للبضائع القادمة للأسواق المجاورة، إذ يستحسن أيضا مراجعتها لئلا يؤدي شحها إلى رفع أسعار السلع دون مبرر.
بالطبع هناك عوامل أخرى ترتبط بذلك الملف، لا تقل أهمية عما سبق الإشارة إليه، وهي بكل تأكيد لا تغيب عن نظر أصحاب الشأن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي