الوطن يجدّد البيعة لحبيب الوطن
لم تتوقف عجلة التنمية والتحديث والتطوير في هذا الوطن منذ عهد الملك المؤسس والراحل العظيم جلالة المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - وحتى اللحظة، حيث اتخذت مراحل التنمية تلك جملة من الخطوط والعناوين الرئيسة التي تنامت تباعا بشكل تراكمي، لتؤسس لواقع هذه البلاد التي تحظى اليوم بمكانة متميزة بين دول العالم كافة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو التنموي .. غير أن العملية التنموية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وخلال خمس سنوات فقط، أخذت منحى جديدا .. استهدف عددا من العناوين ذات الصبغة الخاصة التي يُمكن التعبير عنها بأنها تنمية نوعية اعتمدت بالدرجة الأولى على الاستثمار في الإنسان السعودي من حيث هو طاقة عقلية وفكرية مبتكرة، ومن حيث هو محور ارتكاز أي تنمية حقيقية، فكان مشروع الحوار الوطني أول خيار للقائد، لبناء قاعدة حضارية تقوم على تذويب الاختلافات الفكرية والثقافية لصالح فتح قنوات المشاركة في بناء الوطن، وتجسير التباينات بين الآراء كافة لتنتظم كلها في عقد العمل الوطني الذي يتمم بعضه بعضا، وتم تعضيد هذا المشروع الحضاري الكبير بعدم جعله مقصورا على حوار الداخل، بل جعله ممتداً للحوار بين الثقافات والأديان، الذي أوجد الأرضية الأدبية ولأول مرة ، على مستوى العالم ، لمواجهة نظريات صراع الحضارات، لتنصرف الأمم والشعوب من دوامة الصراع والاحتراب الثقافي والعقائدي ، إلى بناء الكون وعمارته كما أرادت المشيئة الإلهية وفي الوقت نفسه، انصرفت القيادة لتأسيس الوعي العام بنشر الجامعات لتصبح حقا مشاعا لكل أبناء الوطن، وتوسيع دائرة الابتعاث لتشمل أكثر من 45 بلدا، وأكثر من 90 ألف مبتعث ومبتعثة فيما عدت أكبر عملية ابتعاث على مستوى العالم، هذا إلى جانب حث الجامعات على الانتقال من مهمة التعليم إلى مهمة البحث العلمي، خصوصا بعدما بادر - يحفظه الله - إلى ترجمة حلمه بإنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي شكلت بذاتها مفصلا نوعيا في تاريخ التنمية العلمية الوطنية. وحفزت الجامعات الأخرى على ترسّم خطاها في مجال البحث العلمي والانفتاح على المجتمع.
وبما أننا أمام قيادة تصدر عن قيم الفروسية بكل ما فيها من النبل والأصالة والنخوة وكل شيم الصحراء النقية.. فقد استطاع الملك القائد أن يبني استراتيجيته الطموحة على عدد من الخطوط المتوازية، التي تبنت منهج الإصلاح الإداري والمالي، وفي الوقت نفسه رفعت راية محاربة الفساد والانحرافات، إلى جانب ترقية القيم الاجتماعية بالحفاوة بأولئك الذين استعادوا بمواقفهم شيم وأصالة هذا الوطن وأبنائه. وهذا ما لا يمكن أن يتسع له برنامج أي زعيم ما لم يكن زعيما استثنائيا يمتلك القدرة على الرؤية الثاقبة الصادقة لوطنه وشعبه وأمته.
من هنا كان الوطن بكامل ترابه وناسه على موعد لتجديد البيعة لراعي هذه النهضة النوعية التي كرّست للوطن متكأ عالميا لحجم المنجز وشموله ولوضوح الهدف والرؤية والمصداقية في التوجه .. مثلما نال ثقة المواطن بتسخير مقدرات التنمية لتستبق الزمن واللحظة عبر ورشة عمل ضخمة لصالحه بموازنات غير مسبوقة لتعم أرجاء الوطن كسحابة متصلة لا ينقطع غيثها وربيعها رغم اختلاف الأنواء والفصول. وهذا ما يجعل من ذكرى البيعة الخامسة هذا العام محطة عزيزة نستذكر فيها هذه المضامين التنموية الكبرى والتحولات التي طابقت بين شرف القول وجلال العمل .. لأن عبد الله بن عبد العزيز ملك الإصلاح ورجل التنمية بامتياز، وسيد العفو والتسامح، مثلما هو زعيم الحزم والحسم ومحفز المجتمع رجالا ونساء للتحليق في سماء الحضارة التي تتجذر في الثوابت وتشحن قواها بأسباب النهوض والتقدم.. وكل بيعة وخادم الحرمين والوطن بخير!!