(ثـمن الحرية)
حرصت أن أرسل مقالي الأسبوعي للجريدة في موعده ولكن ما حدث فجر يوم الإثنين الماضي جعلني أتوقف عن إرسال المقال وأسعى لإرسال مقال آخر خضت أثناء كتابته صراعاً نفسياً فقد هاجمتني كثير من الخواطر من أجل موضوع المقال فتارة أقول لنفسي هذه جريدة اقتصادية وأنت تود أن تكتب في موضوع سياسي وعادة ما تكون كتاباتك في المواضيع الإدارية والاجتماعية فلماذا هذا التحول اليوم؟ وتارة أقول لنفسي دع عنك الخوض في هذا البحر العميق الذي قد تتعرض فيه للغرق من خلال اتهامك بالانتماء للإرهاب أو القاعدة أو غيرها من الاتهامات الأخرى، وتارة أقول لنفسي لاعلاقة لي بما حدث إن هي إلاّ قافلة من المتطوعين خرجوا طوعاً إلى حتفهم وشقوا عباب البحر لعدة ليال وأيام في مغامرة خطيرة لم يقوموا بدراسة عواقبها جيداً، وتارة أقول لنفسي هذه نتيجة طبيعية من دولة غاصبة فماذا كان متوقعاً من كيان مثل الكيان الصهيوني أن يفعل لقافلة من السفن تأتي إلى أرض اغتصبها إلاّ أن يهاجمها ضارباً بعرض الحائط كل المعايير الدولية والقوانين والتشريعات العالمية.
ولكنني في نهاية المطاف قررت أن أكتب عن هذا الموضوع انتصاراً لحريتي في التفكير وتأييداً لموقف أجد أنه من الضروري أن يقوم به كل فرد حر في العالم وهو أن يعبر عن رأيه بطريقة شرعية وإلا يدخر وسعاً في مساندة الأحرار في كل مكان، وما حدث فجر الإثنين الماضي هو أمر يؤكد أنه لايزال في هذا العالم أحرار يخوضون غمار البحار عبر أسطول الحرية في مسيرة سلمية ركابها من عدد من الدول الإسلامية والعربية والأوروبية يحملون مواد إغاثة وأغذية ودواء وعلى منظر ومسمع من العالم أجمع يراقب تحركاتهم ويرصد مسيرتهم يوماً بعد يوم ويتتبع محطة وصولهم ويؤكد بكل اللهجات أنهم دعاة سلام جاءوا لفك الحصار وإغاثة الشعب ومع ذلك لم يتورع العدوان الصهيوني أن يقوم بالهجوم عليهم وهم في المياه الدولية وقتلهم وأسر البقية.
هذا هو العدو الذي بقينا نركض خلفه عدة سنوات نمد له يد السلام والوئام يؤكد لنا يوماً بعد يوم أنه لا يعرف معنى لمثل هذه الأمور ولا يؤمن إلا بالحرب والبطش، ومع ذلك تأتي ردود الأفعال الباردة كعادة الردود في مثل هذه الظروف فهناك من يأسف وهناك من يشعر بالصدمة وهناك من يندد وهناك من يدعو لتحقيق دولي وآخر يصف القتل بأنه عمل مبالغ فيه وعمل لا إنساني وغيرها من المصطلحات الوهمية الأخرى التي تأتي في نهاية المطاف لتؤكد عجز هذا العالم أجمع عن الوقوف ضد دولة لقيطة تعيث فساداً في العالم وتسخر من كل القوانين والتشريعات الدولية.
من كانوا في الأسطول ليسوا مجموعة من الشباب المتهورين أو عصابة من الإرهابيين أو فصيلة من فصائل الجماعات المحظورة أو عصابة مخدرات لقد ضم الأسطول قرابة 600 شخصية بعضهم من الشخصيات الرسمية ومنهم علماء بارزون مثل الشيخ رائد صلاح رئيس الحركية الإسلامية ومنهم العالمة وخبيرة الانثروبيولوجيا آن دي يونج ونواب في بعض البرلمانات ومسؤولون من تركيا وغيرهم من الشخصيات البارزة، الذين تم ضربهم بالرصاص ومع ذلك تطالب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بتحقيق كامل في الحادثة.
لا شك لديّ أن هذه المجزرة ستمر مرور الكرام كما مرت مجزرة غزة قبل ذلك وغيرها من المجازر الأخرى لكن مع ذلك تبقى هذه القافلة حلقة في سلسلة الأمل التي تبرز حلقاتها يوماً بعد يوم لتؤكد أن هذه الأمة وهذا العالم وعلى الرغم مما يسيطر عليه من أنظمة حاكمة ظالمة فإن الأفراد والشعوب لن تقف عاجزة بل ستبذل كل ما في وسعها من أجل الحصول على حريتها وكسر القيد والحصار سواء كان ذلك من خلال البر أو البحر أو الجو، مؤكدين حقيقة واحدة هي أننا مازلنا أحراراً وأن الحرية هي أعلى وسام يجب أن يكافح الإنسان من أجله.