«السعودية» .. في سباق مع رياح التغيير (2 من 2)

رغم التطور الكبير الذي تشهده الخطوط السعودية، كما أسلفت في مقالي السابق، على مستوى تحديث قدرات أسطولها الحالي، إلا أنه لا يزال هناك عديد من التحديات، التي تعترض طريق تطور «السعودية» وتقدمها، بما في ذلك التعزيز من قدراتها التشغيلية على أسس اقتصادية وتجارية، التي ربما لا تخفى على أحد، وتأتي في مقدمتها وعلى رأسها، نقاط الخدمة الإلزامية، التي تعد من نقاط التشغيل المتدنية الحركة، وبالتالي تزيد من مستوى الخسارة لـ «السعودية»، بسبب انخفاض عدد الركاب، كما أن عدم تناسب أسعار التذاكر الحالية، بالنسبة إلى الرحلات الداخلية، مع تكاليف التشغيل، وبالذات عند مقارنتها بأسعار التذاكر المعمول بها حالياً في الدول المجاورة، التي تنخفض معدلات دخل الفرد فيها عن معدلات دخل الفرد في المملكة، تتسبب في حدوث خسارة كبيرة لـ «السعودية»، وبالذات أن أسعار التذاكر لم يجر عليها أي تعديل، منذ ما يزيد على عشر سنوات مضت، على الرغم من ارتفاع جميع أنواع التكاليف التشغيلية لشركات الطيران، بما يعادل نحو 80 في المائة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتالي مهما ازداد عدد الركاب، وارتفعت تبعاً لذلك معدلات الحمولة، فإن مسلسل تحقيق «السعودية» الخسائر بالنسبة لرحلاتها الداخلية لن ينتهي وسيستمر، وستزداد خسارة التشغيل بالنسبة للنقاط الإلزامية.
إن تعامل «السعودية» مع تحديات التشغيل، لربما يتطلب منها أن تعيد النظر في هيكلية أسطولها الجوي الحالي، بحيث يحتوي الأسطول على طائرات ذات سعة مقعدية محدودة أو صغيرة في حدود 40 مقعداً مثلا لخدمة النقاط الإلزامية، كما أن الأمر ربما يتطلب منها التوجه نحو شراء طائرات من طراز إيرباص A380 Wide-body long-range، لاستخدامها في الرحلات الطويلة (ثماني ساعات فأكثر)، وفي مواسم الحج العمرة. ولا سيما أن هذا النوع من الطائرات يتسع لـ 840 راكبا في حالة تحويل مقاعد الطائرة بالكامل إلى الدرجة السياحية، ما سيمكن «السعودية» من نقل حمولة طائرتين من طراز بوينج 747 تقريبا في طائرة واحدة، لكن هذا بطبيعة الحال يتطلب إعادة تصميم بعض خدمات مطاراتنا المحلية، لتتمكن من تقديم الخدمات الأرضية والخدمات المساندة المطلوبة لمثل هذا النوع من الطائرات العملاقة، كما أن تطبيق تكنيك أو أسلوب خدمة الـ Point To Point، إضافة إلى استخدام ما يعرف بنظام المحور أو الـ Hub، سيساعد على توفير كبير في تكاليف التشغيل.
آخراً وليس أخيراً، إن اكتمال مشروع تطوير «السعودية»، يتطلب التعامل مع ارتفاع تكاليف قطع الغيار، التي تشهد زيادة سنوية بمعدل 5 في المائة، ومساندة من الهيئة العامة للطيران المدني، بالذات فيما يتعلق بتحسين وتطوير هيئة وشكل المطارات الحالية والمستقبلية في السعودية، بما في ذلك التطوير والتحسين من مستوى الخدمات الأرضية التي تقدم للمسافرين.
إن تكثيف تدريب الأفراد العاملين في «السعودية» على الخدمات الأرضية والجوية المساندة، على كيفية التعامل مع الجمهور بأفضل الأساليب الممكنة، سيساعد على التعزيز من ولاء العملاء لـ «السعودية»، الأمر الذي ربما يتطلب منها تبني تطبيق برنامج (المتسوق الخفي) – Mystery Shopper Programme، الذي أثبت فاعلية تطبيقه في عدد من المؤسسات المالية في المملكة، من بينها البنوك السعودية، بما في ذلك إلزام العاملين بتطبيق مفهوم وشعار «السعودية» الجديد الذي يعرف بـ «عصر جديد تتسارع فيه خطواتنا».
خلاصة القول، إن القائمين على إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية، من دون مجاملة ولا مبالغة، يسابقون الريح ويبذلون جهوداً كبيرة وجبارة في سبيل الارتقاء بمستوى الخدمات، التي تقدم للعملاء، سواء التي تقدم على الأرض أو التي تقدم في الجو، الأمر الذي يؤكده شروع «السعودية» وخوضها في برنامج تخصيص طموح لخدماتها المختلفة، من خلال تحويل عدد من قطاعاتها إلى وحدات تجارية، هذا إضافة إلى تجديدها أسطولها الحالي، من خلال التعاقد على شراء عدد من الطائرات الجديدة من شركتي إيرباص وبوينج، تتميز بكفاءة تشغيلية عالية، وبمواصفات وتجهيزات فنية وتقنية، تلبي حاجات المسافرين المختلفة، هذا إضافة إلى إطلاقها أخيراً، أحدث نظام للحجز الآلي والتذاكر، يعرف باسم «أماديوس»، الذي سيحقق لـ «السعودية» نقلة نوعية في مجال الحجز، وفي إنهاء إجراءات السفر المختلفة ذاتياً.
تتويج جهود «السعودية بالنجاح» يتطلب منها التعامل مع عدد من التحديات الحالية والمستقبلية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، النطاق السعري الحالي للتذاكر، وخدمة المحطات الإلزامية، وارتفاع أسعار قطع الغيار والوقود، بما في ذلك العمل في بيئة مطارات محلية، تتوافر فيها أفضل الخدمات الأرضية للعملاء، حيث إن عدم التعامل مع هذه التحديات مجتمعة، سيضعف ـ لا قدر الله، من قوتها التنافسية محلياً ودولياً، كما أن استمرار مثل هذه التحديات، لن يمكنها من العمل وفق أسس تجارية واقتصادية، لكن على الرغم من ذلك، فإنني على يقين تام وثقة قوية بأن «السعودية» ـ بإذن الله تعالي ـ ستتمكن من التغلب على تلك التحديات، وستجتاز مسابقة رياح التغيير نحو الأفضل والأحسن، وستترجم في نهاية المطاف، شعارها الجديد «عصر جديد تتسارع فيه خطواتنا»، ليصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع، يحسها القاصي والداني. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي