صداقات تسير على الحبل

يرى البعض أنه ليس بإمكانك الحصول على أصدقاء في العمل، وأن أصدقاءك الحقيقيين هم من تجدهم خارج بيئة العمل، لأن احتياجات الصداقة ومتطلبات العمل من وجهة نظرهم أمران متناقضان لا يتوافقان بسهولة، و يتعين لأجل ذلك الوضع أن يتم التنازل من جانب أحد الأمرين ، و أية محاولة لجعلهما يعملان وفق منظومة متناغمة تتطلب من الشخص قدرا فائقا من التركيز والمرونة والجهد، أشبه بالسير فوق حبل مشدود.
وهم يبررون وجهة نظرهم تلك بأن الصداقة الحقيقية تقوم على المشاعر، ومما يعززها بين الأشخاص هو تفاهمهم على أن يساند كل منهما الآخر في كل أمر، ففي علاقات الصداقة ينصب تركيزك على المشاعر وحدها و لا شيء آخر، مثل الحب والود و الشعور بالراحة، فأنت تختار شخصا ليكون صديقك على أساس خصاله لا لجودة أدائه أو قوة خبراته العملية، وعندما يجمعك العمل مع شخص ما فهذا يتطلب أداء مهام محددة، و لهذا فقد ينتابك شعور بالتوتر عندما تتعامل مع صديق حميم يفتقر للأداء الجيد، وكلما ازدادت قوة العلاقة صعب التعامل مع افتقار الأداء، لأن امتزاج توقع أداء المهمة مع المودة التي تربطك بهذا الشخص تولد ضغطا على المشاعر قد يؤدي إلى خسارة جسيمة لهذه الصداقة.
لكن آخرين يخالفونهم الرأي ويعتقدون بإمكانية إقامة صداقة في العمل طالما أنهم في مواقع لا تسمح لهم بالاحتكاك المباشر مع أصدقائهم، وما داموا يعملون في إدارات مختلفة، حتى لا يكون بينهم تنافس في مهمة ما أو منصب معين، وكأنهم يطبقون قاعدة زواج الأقارب على صداقة العمل، بمعنى أنه ينبغي أن تكون درجة القرابة بعيدة بقدر كاف لتجنب التقاء الجينات المشتركة و ضمان قوة السلالة.
يتمكن البعض الآخر من الدمج بين الصداقة والعمل من خلال حرصه على احترام قواعد معينة تدير هذه العلاقة ويأتي في مقدمتها وضع جودة الأداء على رأس أولويات العلاقة، وعندما تتصارع صداقاتهم مع جودة الأداء فهم يجعلون الانتصار للأداء، كما يحرصون على دراسة و مناقشة متطلبات الدور الذي يتواجدون فيه، ووضع حدود معينة واضحة تحكم علاقة الطرفين من خلال جلسات حوار صريحة لرسم حدود و توقعات الدور، وكلما زادت مكانة الصداقة بينهما زادت أهمية وضوح تلك الحدود.
إذا كنت تفضي لصديقك بأسرارك الخاصة فحاذر التفوه بأسرار العمل ولا تخجل من أن تقول له:
"رغم عمق العلاقة بيننا إلا أنه ليس بوسعي إخبارك عما تود معرفته، فلا تجبرني على ذلك و لا تغضب من امتناعي"، لأن احترام الحدود و ترسيخ جو من الثقة المتبادلة في مكان العمل مطلب هام أكثر من أي مكان آخر وركن أساسي لتحقيق مناخ عمل صحي إيجابي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي