تجريم تمويل الإرهاب وطنياً ودولياً (2)

أشرنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن التشريعات الوطنية في كثير من الدول جرمت تمويل الإرهاب وسردنا نص قرار هيئة كبار العلماء الصادر برقم (39) وتاريخ 27/4/1431هـ بشأن تجريم تمويل الإرهاب. ونود هنا أن نسلط بعض الضوء على أهم الوثائق الدولية المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب، وهي الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والخمسين بقرارها رقم 54/109 الصادر بتاريخ 9/12/1999م ودخلت حيز النفاذ. وتعد هذه الاتفاقية أول وثيقة دولية تعالج مسألة تمويل الإرهاب ونستعرض هنا بإيجاز أهم أحكامها، حيث جرمت المادة الثانية من الاتفاقية قيام شخص بأية وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته، بتقديم أو جمع أموال بنية استخدامها، أو وهو يعلم أنها تستخدم كلياً أو جزئياً للقيام بعمل يشكل جريمة من جرائم الإرهاب المنصوص عليها في المعاهدات الواردة في مرفق هذه الاتفاقية، أو للقيام بأي عمل آخر يهدف إلى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر، أو إصابته بجروح بدنية جسيمة، عندما يكون هذا الشخص غير مشترك في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح، وعندما يكون غرض هذا العمل، بحكم طبيعته أو في سياقه، موجها لترويع السكان، أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به.
ويعد مرتكباً لجريمة في مفهوم هذه الاتفاقية كل من يحاول ارتكاب الجريمة الخاصة بتمويل الأنشطة الإرهابية المنصوص عليها في هذه المادة أو يسهم كشريك في مثل هذه الجرائم أو ينظم ارتكابها أو يشارك في قيام مجموعة من الأشخاص يعملون بقصد مشترك بارتكاب جريمة واحدة أو أكثر من الجرائم الواردة في هذه المادة، وتكون هذه المشاركة عمدية وتنفذ بهدف توسيع النشاط الجنائي أو الغرض الجنائي للمجموعة أو من خلال معرفة نية المجموعة ارتكاب جريمة من الجرائم المشار إليها في هذه المادة.
وألزمت المادة (4) من الاتفاقية جميع الدول أطراف الاتفاقية اعتبار الجرائم المبينة في المادة الثانية من الاتفاقية جرائم جنائية بموجب قانونها الداخلي والمعاقبة على تلك الجرائم بعقوبات مناسبة تراعي خطورة هذه الجرائم.
وقررت المادة (5) ما يلي:
1- تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة، وفقاً لمبادئها القانونية الداخلية، للتمكين من أن يتحمل أي كيان اعتباري موجود في إقليمها أو منظم بموجب قوانينها المسؤولية إذا ما قام شخص مسؤول عن إدارة أو تسيير هذا الكيان، بصفته هذه، بارتكاب جريمة منصوص عليها في المادة 2، وهذه المسؤولية قد تكون جنائية أو مدنية أو إدارية.
2- تحمل هذه المسؤولية دون مساس بالمسؤولية الجنائية للأفراد الذين ارتكبوا الجرائم.
3- تكفل كل دولة طرف، بصفة خاصة، إخضاع الكيانات الاعتبارية المسؤولة وفقاً للفقرة (1) أعلاه لجزاءات جنائية أو مدنية أو إدارية فاعلة، ومناسبة، ورادعة، ويجوز أن تشمل هذه الجزاءات جزاءات نقدية.
وألزمت المادة (6) من الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لكفالة عدم تبرير الأعمال الإجرامية الداخلة في نطاق هذه الاتفاقية باعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو أيديولوجي أو عرقي أو اثني أو ديني أو أي طابع مماثل آخر. كما ألزمت المادة (8) الدول الأطراف بما يلي:
1- تتخذ كل دولة طرف التدابير المناسبة وفقاً لمبادئها القانونية المحلية لتحديد أو كشف وتجميد أو حجز أي أموال مستخدمة أو مخصصة لغرض ارتكاب الجرائم المبينة في المادة (2)، وكذلك العائدات الآتية من هذه الجرائم وذلك لأغراض مصادرتها عند الاقتضاء.
2- تتخذ كل دولة طرف، وفقاً لمبادئها القانونية الداخلية، التدابير المناسبة لمصادرة الأموال المستخدمة أو المخصصة لغرض ارتكاب الجرائم المبينة في المادة (2)، وكذلك العائدات الآتية من هذه الجرائم.
3- يجوز لكل دولة طرف معنية أن تنظر في إبرام اتفاقات تنص على اقتسامها الأموال المتأتية من المصادر المشار إليها في هذه المادة مع غيرها من الدول، في جميع الأحوال أو على أساس كل حالة على حدة.
4- تنظر كل دولة طرف في إنشاء آليات تنص على تخصيص المبالغ التي تتأتى من عمليات المصادرة المشار إليها في هذه المادة، لتعويض ضحايا الجرائم المنصوص عليها في المادة 2، الفقرة (1)، الفقرة الفرعية (أ) أو (ب)، أو تعويض أسرهم.
5- تطبق أحكام هذه المادة دون المساس بحقوق أطراف ثالثة حسن النية.
ووضعت المواد (7، 9، 10، 11) القواعد المتعلقة بالاختصاص القضائي وتسليم المتهمين بارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية وتبادل الدول الأطراف المساعدة القانونية بشأن أي تحقيقات أو إجراءات جنائية تتصل بهذه الجرائم.
كما تقضي المادة 13 بعدم جواز اعتبار أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية جريمة مالية، فيما يتعلق بأغراض تسليم المجرمين، وبالتالي لا يجوز للدول الأطراف أن تتذرع بالطابع المالي للجريمة وحده لترفض طلباً يتعلق بتبادل المساعدة القانونية أو تسليم المجرمين، كذلك لا يجوز للدول اعتبار هذه الجرائم جرائم سياسية أو جرائم متصلة بجرائم سياسية أو ارتكبت بدوافع سياسية، وبالتالي لا يجوز رفض طلب بشأن تسليم المجرمين أو المساعدة القانونية المتبادلة قائم على مثل هذه الجريمة لمجرد أنه يتعلق بجريمة سياسية أو جريمة متصلة بجريمة سياسية أو جريمة ارتكبت بدوافع سياسية.
أما المادة (17) فتؤكد على أن يكفل لأي شخص يوضع قيد الاحتجاز أو تتخذ بشأنه أي إجراءات أخرى أو تقام عليه الدعوى عملاً بهذه الاتفاقية معاملة منصفة وأن تكفل له جميع الحقوق والضمانات طبقاً لتشريعات الدولة التي يوجد ذلك الشخص في إقليمها ولأحكام القانون الدولي الواجبة التطبيق، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان.
وأشارت المادة 18 إلى التدابير المالية التي ينبغي على الدول اتخاذها لمنع أو إحباط التحضير لارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية في أقاليم الدول الأطراف، ومنها التحقق من هوية العملاء الذين تفتح حسابات لصالحهم والقيام بالتحقق من هوية الكيانات الاعتبارية ومن وجودها وهيكلها القانوني وغيرها من الإجراءات.
وبعد أحداث 11/9/2001م التي وقعت في الولايات المتحدة أصدر مجلس الأمن قراراً برقم (1373/2001) في جلسته التي انعقدت بتاريخ 28/9/2001م، حيث تضمن الإشارة إلى أن المجلس اتخذ هذا القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وحدد عدداً من الالتزامات التي يتعين على جميع الدول أداؤها بشأن مكافحة الإرهاب، وبعض هذه الالتزامات تتعلق بمنع تمويل الإرهاب، حيث قرر المجلس في الصدد أن على جميع الدول ما يلي:
1- منع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية.
2- تجريم قيام رعايا هذه الدول عمداً بتوفير الأموال أو جمعها، بأي وسيلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو في أراضيها لكي تستخدم في أعمال إرهابية، أو في حالة معرفة أنها ستستخدم في أعمال إرهابية.
3- القيام دون تأخير بتجميد الأموال وأي أصول مالية أو موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون أعمالاً إرهابية، أو يحاولون ارتكابها، أو يشاركون في ارتكابها أو يسهلون ارتكابها، أو لكيانات يمتلكها أو يتحكم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص، أو لأشخاص وكيانات تعمل لحساب هؤلاء الأشخاص والكيانات، أو بتوجيه منهم، بما في ذلك الأموال المستمدة من الممتلكات التي يمثلها هؤلاء الإرهابيون ومن يرتبط بهم من أشخاص وكيانات أو الأموال التي تدرها هذه الممتلكات.
4- تحظر على رعايا هذه الدول أو على أي أشخاص أو كيانات داخل أراضيها إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو خدمات مالية أو غيرها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للأشخاص الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية أو يحاولون ارتكابها أو يسهلون أو يشاركون في ارتكابها، أو للكيانات التي يمتلكها أو يتحكم فيها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص، أو للأشخاص والكيانات التي تعمل باسم هؤلاء الأشخاص أو بتوجيه منهم.
كما قرر المجلس أيضا في قراره المذكور أن على جميع الدول:
1- الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم، الصريح أو الضمني، إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، ويشمل ذلك وضع حد لعملية تجنيد أعضاء الجماعات الإرهابية ومنع تزويد الإرهابيين بالسلاح.
2- اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية ويشمل ذلك الإنذار المبكر للدول الأخرى عن طريق تبادل المعلومات.
3- عدم توفير الملاذ الآمن لمن يمولون الأعمال الإرهابية أو يدبرونها أو يدعمونها أو يرتكبونها، ولمن يوفرون الملاذ الآمن للإرهابيين.
4- منع من يمولون أو يدبرون أو ييسرون أو يرتكبون الأعمال الإرهابية من استخدام أراضيها في تنفيذ تلك المآرب ضد دول أخرى أو ضد مواطني تلك الدول.
5- كفالة تقديم أي شخص يشارك في تمويل أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو ارتكابها أو دعمها إلى العدالة وكفالة إدراج الأعمال الإرهابية في القوانين والتشريعات المحلية بوصفها جرائم خطيرة وكفالة أن تعكس العقوبات على النحو الواجب جسامة تلك الأعمال الإرهابية، وذلك إضافة إلى أي تدابير أخرى قد تتخذ في هذا الصدد.
6- تزويد كل منها الأخرى بأقصى قدر من المساعدة فيما يتصل بالتحقيقات أو الإجراءات الجنائية المتعلقة بتمويل أو دعم الأعمال الإرهابية، ويشمل ذلك المساعدة على حصول كل منها على ما لدى الأخرى من أدلة لازمة للإجراءات القانونية.
7- منع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية عن طريق فرض ضوابط فاعلة على الحدود وعلى إصدار أوراق إثبات الهوية ووثائق السفر وباتخاذ تدابير لمنع تزوير وتزييف أوراق إثبات الهوية ووثائق السفر أو انتحال شخصية حامليها.
وفي الختام أقول إن قرار هيئة كبار العلماء بشأن تجريم تمويل الإرهاب جاء مكملاً لقراراته السابقة بشأن إدانة وتجريم العمليات الإرهابية بشتى أساليبها المختلفة إعمالاً لقواعد الشريعة الإسلامية الغراء، كما أنه جاء منسجماً مع الاتفاقيات والوثائق الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومنع تمويله بأي وسيلة من الوسائل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي