شباب الرياض بين التطوع والفزعة

هل يمكن أن نسمي ما شاهدناه وسمعناه عن عمليات الإنقاذ التي قام بها شباب الرياض أثناء السيول تطوعاً؟
لم لا وقد رأيناهم يعرضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ العالقين في المياه ويقدمون هذه الأعمال بلا مقابل مادي!
حسنا، تخيل أنك تسير قرب الشاطئ وإذا بطفل تصارعه الأمواج يترقب منقذا، هل سوف يقف الشخص السوي مكتوف اليدين؟ هل ستمهلك إنسانيتك وقتاُ للتفكير: هل أنقذه أم لا؟
ليس من أهداف هذا المقال التقليل لا من قريب أو بعيد من الدور البطولي لأولئك الشباب الذين ضربوا لنا أروع صور الشجاعة والمروءة، لكن الهدف القريب والبعيد لهذا المقال هو المساهمة في نشر مفهوم التطوع بمعناه العالمي السائد والمتعارف عليه في أدبيات التطوع.
الفزعة والهبة والنصرة كلها مصطلحات متجذرة في عروق البيوت العربية وعنصر أساس في قيمهم ونظامهم الاجتماعي والمجتمع يكافئ "راعي الفزعة" بكل سخاء ويغدق عليه من الثناء ما يمكن أن تسير به الركبان، هذا خلافاً للأجر الذي ينتظره من الله سبحانه وتعالى إن هو أحسن النية وأخلصها. لكن الفزعة تختلف عن التطوع من عدة وجوه، فالأولى ردة فعل وقتية تنطفئ بانطفاء الحافز لها، بينما التطوع عمل جماعي منظم ومدروس ومخصص يهدف إلى تحقيق هدف محدد في مدى زمني طويل. والتطوع يتطلب نظاماً ينظم الجهود ويؤطر الحقوق والواجبات، بينما الفزعة عمل يمكن أن تمارسه في طريقك إلى العمل أو العودة منه.
سوف يعود كثير من أؤلئك الذين شاركوا في عمليات الإنقاذ عندما جاء المطر ضيفاً على الرياض إلى حياتهم الطبيعية بانتظار كارثة قادمة لا سمح الله أو مصيبة تطل من هنا أو هناك، وسوف يظل الناس يرددون قصصهم ومغامراتهم بكل فخر واعتزاز. لكن الذي لن يتداوله الناس هو أن هذا الاستعداد وتلك الرغبة التي سقت الأمطار بذورها في الشباب للعمل من أجل مجتمعم لن يتم استثمارها بالطريقة الصحيحة في مجالات عمل تطوعية هادفة ومستمرة، تحمل عن الحكومة بعضاً من أعبائها وتخفف على المجتمع شيئاً من همومه وترفع من رفاهية المواطن والمقيم.
في المجتمع طاقات كثيرة وخبرات متراكمة، لم تكشف عنها السيول في جدة والأمطار في الرياض، ليس لأنهم لا يجيدون السباحة في السيول أو لا يمتلكون الشجاعة الكافية للدخول في عمليات إنقاذ باسلة، بل لأنهم ببساطة ووضوح لم يكونوا في موقع الحدث.
أمنية من الأعماق ألا ننتظر كارثة قادمة أو مصيبة ماحقة لتكشف لنا عن قدرة المتقاعدين والأطفال وربات البيوت وغيرهم من شرائح المجتمع على تقديم خدمات طوعية لمجتمعهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي