الاستثمار في أبحاث السرطان والأولوية الباهظة
أبحاث أمراض السرطان لها دائما أولوية باهظة منذ بدأت الحرب على المرض في عام 1971 عندما أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بعد نجاح البلاد في وضع إنسان على سطح القمر.. أعلن هدفا جديدا وهو إيجاد حلول جذرية لمكافحة السرطان بحلول عام 1976، وتم حينها التوقيع على ''القانون الوطني للسرطان'' National Cancer Act الذي منح صلاحيات أكبر للمؤسسة الوطنية للسرطان وساعد على زيادة الدعم المالي الفيدرالي لمكافحة السرطان.. ومنذ ذلك الوقت أنفقت الولايات المتحدة نحو 100 مليار دولار من الموازنة الفيدرالية مع مساهمة الوكالات الحكومية والجامعات وشركات الأدوية والمؤسسات الخيرية بهدف إجراء بحوث حول المرض.. وعلى الرغم من ذلك انخفض معدل الوفيات بالسرطان إلى 5 في المائة فقط بين عامي 2005 و1950، وفي المقابل انخفض معدل الوفيات بأمراض القلب 64 في المائة للفترة نفسها، وانخفض معدل الوفيات بالإنفلونزا والالتهاب الرئوي 58 في المائة The New York Times April 23 2009، وتتوقع جمعية السرطان الأمريكية وبسبب زيادة معدل عمر الإنسان إصابة رجل من كل اثنين وامرأة من كل ثلاث نساء بالمرض في أعمار متقدمة.
في المملكة، بحسب إحصائيات السجل الوطني للأمراض، فإن الخسائر بسبب أمراض السرطان المتعددة تصل تكاليفها إلى 20 مليار ريال، وذلك بسبب تزايد حالات الإصابة التي سجلت ثمانية آلاف حالة إصابة جديدة سنوياً، وهي متعلقة بزيادة أعداد السكان، وتغيير التركيبة السكانية، إضافة إلى أمراض القولون والمستقيم التي تضاعفت ثلاث مرات.. وترجع أسباب زيادة حالات الإصابة في المملكة إلى الوجبات السريعة التي تحتوي على نسبة دهون عالية وكذلك التدخين وزيادة الوزن. (''الاقتصادية'' العدد 6049).
لا أريد أن أقدم دراسة أو أن أغرق في الأرقام، لكن يبقى القول: إن معدل الإصابات بمرض السرطان في تزايد ما يسبب قلقا صحيا عالميا.. فهل قلة الاستثمار في أبحاث السرطان هي السبب؟ يقول الباحثون: على الرغم من الجهود والأموال التي تدفقت لأبحاث السرطان لم يكن هناك ما يكفي لدراسات مبتكرة من النوع الذي يمكن أن يغير جذريا طريقة فهم العلماء لمرض السرطان أو الأطباء لعلاجه، كما أن السرطان مرض عضال وليس مرضا واحدا بل عدة أمراض.. وهناك عقبات في مكافحة هذا المرض منها: تعدد أنماطه، وتأخر التشخيص، وعدم التجاوب مع العلاج ووجود عامل الوراثة المتغير الذي يجعل المرض في حالة تبدل سريع يسهم في عدم التجاوب للعلاج.
ورغم التحديات، فإن الكشف المبكر والعلاج الفوري يعطيان الفرصة لتحسين قدراتنا ومعرفتنا للمرض وإجراء البحوث اللازمة. إن أهم نجاح حدث في الـ 40 عاما الماضية للوقاية من السرطان وأمراض كثيرة هو انخفاض نسبة المدخنين، وهذا يعود لزيادة الوعي بالقضايا الصحية والبيئية، ورفع ضرائب السجائر، ومنع التدخين في أماكن عامة. إن الحديث عن زيادة حالات السرطان عالمياً يقابله تحسين طرق الكشف المبكر، أما بالنسبة للمعالجة فهناك تقدم ملحوظ خاصة سرطان الأطفال ومعظم سرطانات الدم، كما حدث تقدم هائل في المعالجات الجراحية، بالنسبة للمملكة هناك مؤشرات تؤكد تقدما جيدا في التوعية حول المرض وتشجيع الفحص الذاتي والتشخيص المبكر. وفي هذه العجالة لابد من التنويه بجهود مركز عبد اللطيف جميل للكشف المبكر عن السرطان، وكذلك الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة السرطان لدعمهما ورعايتهما المستمرة لأنشطة السرطان ولزيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر عن المرض، وخصوصاً سرطان الثدي عند النساء وتشجيعهن على الفحص المبكر، وما تقدمانه من خدمات لمرضى السرطان وتسهيل تلقيهم للعلاج.