أول الغيث قطرة

أول الغيث قطرة، على سبيل التفاؤل لا على سبيل التقليل. كتبت الأسبوع الماضي عن القضاء، وتطرق المقال لواقع مباني المحاكم, وأسعدني إعلان وزارة العدل في هذه الجريدة يوم الأربعاء 7/5/1431هـ رغبتها في تنفيذ المرحلة الأولى لمباني المحاكم وكتابات العدل وعددها 32 مبنى، ضمن مشروع الملك عبد لله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء.
إعلان الوزارة جاء في صفحة كاملة ويشير إلى التوجيهات السامية بالإسراع في التنفيذ, ولفت نظري في الإعلان أنه أشار إلى أن التصاميم نموذجية متطورة، ووفق ما هو متاح للوزارة من أراض. الأولى نفهم منها أننا سنبدأ من حيث انتهى العالم في المباني القضائية, والثانية تشير إلى أنه لو أتيحت أراض أكثر؛ فإن المشروع سيكون أكبر. أعتقد أن أكبر تحد تواجهه وزارة العدل هو تجهيز المرافق القضائية، وحوسبة العمل القضائي والإداري في المحاكم وكتابات العدل، أما تحديات تأهيل القضاة, والعمل القضائي ذاته، فهذا دور المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا.
من خلال التواريخ المنشورة في الإعلان، وبافتراض أن يتم الإنجاز في المدة المحددة وهي 24 شهرا؛ فإن هذه المباني لن تكون جاهزة إلا في عام 1434هـ. ولعل وزارة العدل تسن سنة حسنة؛ بأن تعلن في موقعها على شبكة الإنترنت خطوات هذه المشاريع من لحظة فتح المظاريف المحددة في 14/7/1431هـ، مرورا بإجراءات الترسية، وتاريخ تسليم المواقع، والجهة المنفذة، والموعد المحدد للانتهاء، والملاحظات على التنفيذ. بمعنى آخر ضعوا الناس في قلب الحدث خطوة بخطوة. سنتان لتنفيذ هذه المشاريع قد تكون مدة معقولة وفق الواقع الذي نحن فيه، لكنها مدة ليست قصيرة وفق معايير الأعمال الإبداعية، كما حدث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية؛ حيث انتهى المشروع الحلم في سنتين. السائد عن تنفيذ المشاريع الحكومية ليس إيجابيا، وواقع أغلبية المباني القضائية القائمة لا يسر، وهذه هي المرحلة الأولى من المشروع؛ فلا مجال لأي إخفاق في التنفيذ.
من جهة تصميم المشاريع الحكومية؛ فإن الجهات لا تستطلع رأي المستفيدين والمتعاملين مع هذه الجهات في تصميم هذه المشاريع, بل يتم القرار في دائرة ضيقة حتى منسوبي هذه الجهات لا يشاركون في الرأي، وأرى أن ذلك يفوت فرصة الاستشارة المجانية التي تسهم في وجود تصميم يستوعب الحاجات القائمة والتوسعات المستقبلية. لا أعلم كيف تمت إجراءات تصميم هذه المحاكم؛ إلا أن استطلاع رأي بعض الجهات المتخصصة والمستفيدة؛ سيكون له دور إيجابي في ذلك.
إنشاء المباني القضائية جزء من مشروع تطوير مرفق القضاء، أي تطوير المرفق العدلي، ويبدو أن ديوان المظالم ستكون له مشاريعه الخاصة أيضا، وبقي الضلع الثالث في المنظومة من حيث الاختصاص والمسؤوليات وهو هيئة التحقيق والادعاء العام. ماذا لو شكلت لجنة عليا من هذه الجهات وضمت الميزانيات المخصصة للمشاريع؛ لإنشاء مرافق لهذه الجهات الثلاث: المحاكم وكتابات العدل، المحاكم الإدارية، وفروع ودوائر هيئة التحقيق والادعاء العام. الارتباط الوثيق بين أعمال هذه الجهات، واغتنام فرصة الوقت والموارد المالية المتاحة، قد يدفع باتجاه عمل غير مسبوق في التخطيط للمستقبل بروح الفريق الواحد. التطوير الشامل هو هدف القيادة من تطوير مرفق القضاء، وتنسيق هذه الجهات مع بعضها لتحقيق الهدف قد يمثل نموذجا للمشاريع المشتركة بين الجهات الحكومية. وإن كان واقع الإجراءات القائمة لا يستوعب مثل هذا التعاون؛ إلا أنه ليس مستحيلا التغلب على هذه الصعاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي