شركات التأمين وحصتها من كارثة جدة
في البداية حمى الله أرض المملكة وحفظ حكومتها وشعبها من كل سوء، بل ندعوه كل يوم وفي كل فرض أن يجعل كلمة لا إله إلا الله خفاقة، لا على أرض الوطن فحسب بل على أرض المعمورة إلى يوم الدين، وقبل أن نتطرق لموضوع المقال وقبل أن نأتي بصغير الأمر وأعظمه، يجب أن نقف وقفة إجلال واحترام لمواقف ملك الإنسانية في حزمه وإنسانيته في احتضان كل متضرر في كارثة جدة سواء على مستوى تعويضه أو على مستوى مشاركته الأبوية الحانية لأبنائه المقيمين في مدينة عروس البحر الأحمر وليس هذا فقط وإنما تجاوزت إنسانيته فبلغت المستوى الفني والشفافية في عرض التقارير الفنية والمالية للأضرار التي تمت تغطيتها لأبناء أهالي جدة المنشورة في الصحف المحلية من حين لآخر.
كارثة جدة ستظل عالقة بالأذهان وتمس كثيرا من الأطراف، فمنها الظاهر الذي بلا شك تقوم الدولة بواجبها نحوه ومنها الباطن الذي يجب على أصحاب الكفاءات والدارسين تسليط الضوء عليه في تحديد مسئوليته تجاه المجتمع، وإن شركات التأمين أحد الأطراف يجب تسليط الضوء عليها من حيث علاقتها بل إسهاماتها في تعويض المتضررين سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة أو الشركات الكبرى أو من حيث تقليل العبء عن الدولة، فحجم كارثة بلغ العنان إلا أننا لم نقرأ يوماً تقريراً صدر من كبرى شركات التأمين أو أصغرها للخسائر التي تعرضت لها شركات التأمين سواء من حيث تعويض المتضررين أو المشاركة في رصد البيانات ومن ثم ترجمتها مالياً لمن يريد العمل عليها لاحقاً أو مقارنتها بالمشاريع الحالية كمؤشر احتياطي من الوقوع في نفس الأخطاء، بل إنها لم تقدم حتى تقريراً عن الوضع الحالي لشركات التأمين والأسباب والنتائج ومقدار الخسائر في مختلف الأصول أو حجم التكاليف لإعادة تشغيل الأصول أو إعادتها إلى وضعها الأصلي، كل ذلك لم تتطرق إليه شركات التأمين وكأن الأمر لا يتعلق بها لا من قريب ولا من بعيد، وبمثل هذه الكوارث أليس من المفترض أن تقوم بها شركات التأمين أو من ينوب عنها في تقديم تقارير مستفيضة وبصورة يومية حتى تكتمل الصورة لدى أذهان المجتمع عن حجم الخسائر ومدى معاناة المتضررين من الكارثة ومعاناة شركات التأمين لقاء تعويض المتضررين.
الجواب يغلب عليه انسحاب شركات التأمين من الظهور في مساحات الصحف المحلية لعدم قدرتها على تحمل مسؤولية تعويض المتضررين وقد اعتبرت شركات التأمين أن الأضرار التي تعرض لها المؤمن له كانت ناتجة عن كوارث طبيعية، من البديهي تستثنيها وثائق التأمين من التغطية التأمينية !! وليس هذا فقط فإن شركات التأمين بالتأكيد لديها المعلومة الكافية بأن الأضرار كان سببها الأهمال وإخفاق بعض القطاعات في تنفيذ مشاريعها على المستويين التقني والزمني المحددين في شروط تنفيذ المشاريع وليس لمصطلح الكوارث الطبيعية دور في هذه الأضرار، إلا أن تدخلها بالطريقة المراد التدخل بها يعني مواجهة لا تحمد عقباها، وقد يؤثر ذلك في مصالحها التجارية وتوسعها التنموي المخطط له في المنطقة، ومن أجل الخروج من مأزق تحمل تكاليف تعويض المتضررين وتكاليف المواجهة غير المدروسة، لذا اكتفت بأن تكون في الطرف المتفرج، حالها حال أي متفرج آخر.
هكذا غلب على شركات التأمين صفة مهنية البحث عن الشروط والأحكام المحددة في وثائق التأمين التي تستثني أو ترفض تعويض المتضررين قبل البحث في كيفية تعويض المؤمن له، وأما صفتها الحقيقية في التزامها بتعويض المتضرر ما لم يكن هناك نص في عقد التأمين يستثني تعويض المؤمن له بنص صريح غير قابل للشك أصبحت هي الصفة المتنحية.
المعادلة صعبة، نسعى لتحقيق أهدافنا بأي ثمن وبالمقابل لا نستطيع تحمل المسؤولية أو العمل كمثل الشركات لدى دول العالم المتقدم، فهي تستطيع عرض مواقفها المالية مهما كانت النتائج ولديها الالتزام بتقديم الحلول لتقليل الضرر على اقتصاد دولها والمجتمع الذي تتعايش معه، وخير مثال الأزمة العالمية وما تعرضت له الدول والشركات العالمية من تقهقر وإفلاس، إلا أن مبدأ الشفافية والصدق بقي صامداً أمام المجتمع الدولي وأصبحنا نعرف أدق التفاصيل عن كل شركة، بل أكثر من ذي قبل كخبرات مكنتنا من قراءة البيانات وتطبيقها مع واقع الاستثمار الحقيقي.
قد أكون متشددا في مقالي هذا إلا أن اقتصادنا لا ينمو إلا بشركاتنا واستثماراتنا والداعم الأساسي لاقتصادنا هو بناؤنا الصحيح للثروة، وهذا بالتالي لا يمكن أن يتم بغياب الشفافية والهدف الاستثماري الصادق.