تضافر الجهود سيعيد للشيك احترامه
حزمة الإجراءات التنفيذية الأخيرة، التي أقرها مجلس الوزراء السعودي، في جلسته المنعقدة بتاريخ الأول من آذار (مارس) من العام الجاري، لمعالجة ظاهرة انتشار تحرير شيكات بدون رصيد، ستعمل على إعادة الاحترام للشيك كورقة تجارية، تستخدم للوفاء بالتعاقدات والالتزامات المالية المترتبة عن هذه التعاقدات، ولا سيما أن عدد وقيمة الشيكات التي حررت بدون رصيد في الوسط التجاري السعودي، تسجل تزايداً من عام إلى آخر، إذ تشير الإحصائيات إلى أن قيمة الشيكات التي حررت بدون رصيد على مستوى المملكة، قد بلغت نحو ثلاثة آلاف مليون ريال في عام 2007 ، بينما وصلت قيمة الشيكات دون رصيد في عام 2009 نحو 14 ألف مليون ريال، بعدد شيكات مرتجعة يقترب من 160 ألف شيك.
منعاً لانتشار ظاهرة تحرير الشيكات بدون رصيد في الوسط التجاري والمالي والمصرفي السعودي، اعتمد وكما أسلفت مجلس الوزراء حزمة من الإجراءات القانونية التنفيذية الصارمة، للحد من استمرار محرري الشيكات في كتابة شيكات بدون رصيد، وذلك بهدف حماية حقوق المتعاملين في السوق من الضياع والاستغلال من قبل ضعاف النفوس والمستهترين بحقوق الناس، هذا إضافة إلى تعزيز الثقة بالبيئة التجارية والمالية والمصرفية، بما في ذلك الاستثمارية في المملكة، ولا سيما أن تحرير شيك بدون رصيد، لا تنعكس أضراره فقط على المستفيد الأول من الشيك، بل تمتد أضراره لتطول عدداً كبيراً من المتعاملين، الذين يمثلون أحد أجزاء عملية التعاقد التجاري، التي تم من أجلها تحرير الشيك للمستفيد الأول، الأمر الذي يفاقم من حجم الخسائر المالية، ويعظم من قيمتها بالنسبة للوسط التجاري وللمتعاملين في الوسط التجاري على حد سواء.
الإجراءات التنفيذية التي أقرها مجلس الوزراء، تتلخص في: (1) قيام النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزيـر الداخليـة بإصـدار قـرار باعتبـار الأفعـال المنصوص عليهـا في المـادة ( 118 ) المعدلة من نظام الأوراق التجارية موجبة للتوقيف. (2) أن تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق في جرائم الشيكات ورفع الدعوى العامة أمام الجهة المختصة بالفصل في تلك الجرائم كأي جريمة أخرى، وذلك وفقاً لنظامها ونظام الإجراءات الجزائية. (3) على الجهة المختصة بالفصل في منازعات الأوراق التجارية إصدار قرارها في القضية التي تنظرها خلال 30 يوماً من تاريخ إحالة القضية إليها. (4) على الجهة المختصة بالفصل في منازعات الأوراق التجارية العمل على تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الشيكات وخاصة إيقاع عقوبة السجن والتشهير في الصحف اليومية الصادرة في منطقة مرتكب الجريمة. (5) قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بوضع إجراءات تنظم إصدار ورقة الاعتراض وتمنع البنك المسحوب عليه الشيك من المماطلة في إعطاء حامل الشيك ورقة اعتراض على صرف الشيك. (6) تشكيل لجنة في وزارة الداخلية تضم مندوبين من وزارات: (الداخلية، والعدل، والتجارة والصناعة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والمالية «مصلحة الجمارك») ومؤسسة النقد العربي السعودي، لدراسة تفعيل المواد الخاصة بالعناوين في، نظام الأحوال المدنية، ونظام الإقامة، ونظام السجل التجاري، وذلك بإلزام كل مواطن أو مقيم أو مؤسسة أو شركة، بوضع عنوان رسمي تنتج من المراسلة عليه الآثار القانونية، وأن يلتزم كل منهم في حالة تغير ذلك العنوان بتحديد عنوانه الجديد.
تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات التنفيذية المذكورة، التي أقرها مجلس الوزراء بخصوص الشيكات بدون رصيد، صدرت بناء على الطلب الذي رفعه وزير التجارة والصناعة للمجلس بمعالجة انتشار الشيكات المرتجعة لعدم كفاية الرصيد، والذي سبقه قيام الوزارة بتحذير شركات البيع بالتقسيط من مطالبة عملائهم بتحرير شيكات بتواريخ مؤجلة لضمان مبيعاتهم، لكون مثل هذا النوع من الممارسات يعد غير نظامي، وبالذات أن تلك الشركات تعلم بعدم وجود رصيد كاف للشيكات وقت تحريرها، وأن وظيفة الشيك هي أداة للوفاء واجبة الدفع بمجرد الاطلاع، موضحة في ذلك أنها ستطبق في حق المخالفين ما تقضي به المادة (118) من نظام الأوراق التجارية، التي تعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على 50 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من أقدم بسوء نية بتحرير شيك، لا يوجد له مقابل وفاء كاف لدفع قيمته، هذا إضافة إلى التشهير بالمخالف بموجب المادة (121) من النظام ذاته.
أتفق مع الكاتب الزميل نبيل عبد الله المبارك ومدير عام الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، في أهمية الجانب المعلوماتي في معالجة قضايا الشيكات بدون رصيد، لأن هذا الجانب لا يقل بأي حال من الأحوال من حيث الأهمية عن حكم السجن أو الغرامة، ولا سيما أنه وبمجرد حصول المستفيد من الشيك على ورقة اعتراض من البنك المسحوب عليه الشيك، وتقديمها لشركة (سمة)، لوضعها في التقرير الائتماني لمصدر الشيك لمدة خمس سنوات كحد أدني، سواء كان مصدر الشيك شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً (حتى وإن تمت تسوية الشيك)، فهذا يعني أن الجانب المعلوماتي لا ينتهي بحكم السجن أو الغرامة، وإنما سيظل يشكل تاريخا سيئا وسلبيا في جبين مصدر الشيك، مما سيسهم بفاعلية في محاربة ومكافحة مثل هذه التصرفات والسلوكيات المالية الخاطئة.
خلاصة القول، أن إقرار مجلس الوزراء إجراءات صارمة وحاسمة للقضاء على ظاهرة انتشار الشيكات بدون رصيد، سيعمل في نهاية المطاف ليس فقط على إعادة الاحترام للشيك وقبوله كأداة مالية للوفاء بالالتزامات، إنما ذلك سيساعد على التعزيز من متانة البيئة المالية والمصرفية والاستثمارية والتجارية السعودية، ولاسيما أن نظام الأوراق التجارية في المملكة، قد صدر منذ وقت طويل جداً في عام 1383هـ، ولكن لربما كان ينقصه جانب التفعيل السريع لقضايا الشيكات دون رصيد، الأمر الذي فاقم من حدة المشكلة، وحول السلوك المرتبط بكتابة شيك دون رصيد من مشكلة مالية، إلى فعل من أفعال (الجرائم)، التي تمس وظيفة الشيك الأساسية، وتضعف من دوره المالي والاقتصادي والتجاري، وتعزز من الثقة بمصداقيته وقبوله.
إن نجاح محاربة ظاهرة الشيكات بدون رصيد والقضاء عليها، يتطلب تضافر جهود جميع فئات المجتمع الرسمية والخاصة، بما في ذلك محررو الشيكات، فلكل منهم دور يخصه، يجب عليه تنفيذه والتقيد به، فالجهات الرسمية المعنية بالأمر مسؤولة مسؤولية مباشرة عن سرعة البت والحكم في قضايا الشيكات بدون رصيد، وتطبيق العقوبات والجزاءات وفق ما هو مقرر دون تهاون أو رأفة أو حتى شفقة، والقطاع الخاص مسؤول عن محاربة تلك الظاهرة، بعدم التعامل مع مصدري ذلك النوع من الشيكات ونبذهم تجارياً، أما بالنسبة لمصدري الشيكات فعليهم أن يحذروا من الوقوع في مغبة تحرير شيكات بدون رصيد، حيث إن ذلك سيعرضهم ليس فقط للمساءلة والعقوبة المادية أو البدنية أو لكلاهما، ولكن سيعرضهم أيضاً إلى تلويث سجلهم الائتماني وسمعتهم المعنوية والأدبية، والله من وراء القصد.