تحديات اقتصادات الخليج: أزمة دبي وتعثر السداد ورقابة المصارف الإسلامية

كان هناك إجماع في عام 2009، على أن اقتصاد دول الخليج سيكون قادرا على مواجهة الأزمة المالية العالمية بشكل أفضل من غيره، إجماع ثبتت لاحقاً صحته وخطؤه في الوقت ذاته.

إذ إن الفهم المحدود للمنتجات المالية المتطورة وتركيز المصارف العربية على الأسواق المحلية المريحة والدعم الذي قدمته حكومات دول المنطقة وبنوكها المركزية من ضخ للسيولة وضمان للودائع، كلها عوامل أسهمت في حماية مؤسساتنا المالية من تأثير هذه الأزمة ولم يتعرض أي بنك للإفلاس.

غير أن دول المنطقة واجهت عددا من الصدمات الإقليمية غير المتوقعة والتي كان لها تأثير سلبي فيها ما أدى إلى زعزعة ثقة المستثمرين، وقلص من عمليات الإقراض المصرفي وزاد من عوامل عدم اليقين في هذا الجزء من العالم.

وظهر تباين واضح بين الأوضاع الاقتصادية الجيدة لدول المنطقة من جهة وتراجع ثقة المستثمرين بشكل عام من جهة أخرى.

وشملت الأحداث الإقليمية والصدمات التي توالت خلال الأشهر الماضية كل من أزمة ديون دبي، وهبوط أسعار العقارات الذي انعكس سلباً على قيمة الأصول المملوكة من قبل المصارف، والمشكلات التي واجهتها اثنتان من الشركات العائلية السعودية سعد والقصيبي، ضمن غيرهما من الشركات العائلية الكبرى في المنطقة، وانهيار عدد من شركات الاستثمار في الكويت إضافة إلى تعرض سوق الصكوك الفتية إلى نكسة والخسائر التي منيت بها كبرى شركات الاستثمار الإسلامية خاصة في البحرين.

وعلى الرغم من أن معظم هذه الأحداث تمحورت في منطقة الخليج إلا أن دول المنطقة الأخرى تأثرت هي أيضاً بسبب آلية انتقال واضحة تشمل تحويلات العاملين في دول الخليج، وتعاظم السياحة البينية، وتدفق رؤوس الأموال إلى الدول غير الخليجية، أضف إلى ذلك قيام المستثمرين العالميين بإعادة تقييم مخاطر التعامل مع جميع دول المنطقة دون تمييز.

وكانت الأسباب الرئيسية من وراء ظهور كل هذه المشاكل الإقليمية قيام عديد من الشركات بالاعتماد المفرط على الاقتراض الذي كان متوافرا عندها بأسعار زهيدة دون تدقيق المصارف المقرضة بقدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها، وتكثيف الاقتراض قصير الأجل لتمويل موجودات طويلة الأمد وخصوصاً في قطاع العقارات، أضف إلى ذلك سوء الإدارة وغياب الحوكمة الرشيدة للشركات، والفساد وعدم توافرالشفافية والإفصاح بالشكل المطلوب.

#3#

## التوقعات الاقتصادية

بعد سنوات الازدهار الاقتصادي الممتدة من 2002 إلى 2008 التي بلورت نظرة العالم إلى منطقة الشرق الأوسط كوجهة استثمارية جاذبة ومستقرة، حيث سجل إجمالي الناتج المحلي للمنطقة معدلات نمو مرتفعة تعدت 6 في المائة، تغيرت الأوضاع في عام 2009 إذ لم يكن هناك أي نمو يذكر في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي والذي ارتفع بمعدل 0.15 في المائة في السعودية، في حين أن الإمارات والكويت شهدتا تراجعاً يقدر بنحو 1 في المائة و 1.5 في المائة على التوالي، ولقد سجلت كل من قطر ولبنان أعلى معدل لنموالناتج المحلي العام الماضي قدّر بنحو 7 في المائة، بينما جاءت معدلات نمو هذا الناتج في البحرين و سلطنة عُمان في حدود 5 في المائة و 3 في المائة على التوالي.

وكذلك تراجعت معدلات النمو في الأردن ومصر إلى نحو نصف ما كانت عليه في عام 2008.

وجاء أداء معظم أسواق الأسهم في دول المنطقة إيجابياً العام الماضي، لكنه كان أقل من أداء الأسواق الأسهم الناشئة، إذ ارتقع المؤشر لأسواق الأسهم العربية بنحو 16 في المائة عام 2009، مقارنة بارتفاع في حدود 73 في المائة لأسواق الأسهم الناشئة ككل في حين أن مؤشر ستاندرد آند بورز للشركات الـ 500 الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع بنسبة 24.7 في المائة.

يشار إلى أن أداء معظم الأسواق العالمية خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) من هذا العام جاء سالباً، في حين أن المؤشر لأسواق دول المنطقة سجل ارتفاعاً في حدود 5 في المائة.

ومن المتوقع أن تؤدي عودة النمو إلى الاقتصاد العالمي هذا العام إلى تعزيز إجمالي الطلب على النفط بمعدل 1 مليون برميل في اليوم مما سيساعد دول المنطقة النفطية على زيادة معدلات الإنتاج بشكل تدريجي في النصف الثاني من عام 2010.

كذلك يتوقع أن يتراوح سعر البرميل في 2010 ما بين 70 و 80 دولارا أي بمعدل سنوي في حدود 75 دولارا للبرميل، مقارنة بـ 62 دولارا في 2009 و قرابة 100 دولار في 2008.

ويتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لدول المنطقة بالأسعار الثابتة بحدود 3.5 في المائة هذا العام، مدعوماً بالإداء الجيد للقطاعات النفطية والسياسات المالية التوسعية التي وضعتها كافة الحكومات موضع التنفيذ.

بينما سيبقى نمو الناتج المحلي للقطاع الخاص محدوداً حيث ستركز الشركات على عمليات إعادة الهيكلة وتخفيض الديون والدمج والحيازة، وسيركز قلة منها على التوسع.

وستحافظ البنوك التجارية على سياسة إقراض متشددة التي من شأنها التأثير في قطاع الأفراد والشركات.

ولقد تقلص الإقراض المصرفي المقدم للقطاع الخاص العام الماضي في المعدل لكافة دول المنطقة بعد أن سجل معدلات نمو سنوية تراوحت بين 25 في المائة و 35 في المائة خلال الفترة 2002-2008.

ويتوقع أن تسجل قطر أعلى معدل نمو هذا العام في حدود 14 في المائة مصر ولبنان بمعدل 6 في المائة ثم تليها السعودية بمعدل 4 في المائة وعُمان والأردن بنسبة 3.5 في المائة، في حين لا يتوقع لمعدلات النمو لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين أن تتعدى 2 في المائة.

#2#

## التحديات وعوامل عدم اليقين

وسيبقى الضعف في قطاع العقارات من أهم عوامل عدم اليقين التي ستؤثر سلباً في الوضع الإقتصادي هذا العام.

والسبب يعود إلى وجود فائض في العرض ونقص في التمويل العقاري، وارتفاع عدد حالات التخلف عن السداد وإمكانية ابتداء البنوك بالحجز على العقارات التي تملكها كضمانات في محفظتها العقارية لبيعها في المزاد لاحقاً.

ومع أن الأوضاع تختلف من بلد إلى آخر إلا أن أسعار العقارات يتوقع أن تسجل المزيد من التراجع هذا العام في حدود 10 في المائة إلى 15 في المائة بعد أن تراجعت بنسب تراوحت بين 25 في المائة و60 في المائة من أعلى مستوى وصلت إليه عام 2008.

ومثل هذا الوضع قد يشجع صناديق الاستثمار في الأصول المتعثرة للدخول لاحقاً في عمليات شراء للعقارات مما سيساعد على استقرار الأسعار بنهاية العام.

هناك تخوف من أن تشهد البنوك سنة صعبة أخرى هذا العام، حيث يتوقع المزيد من القروض المتعثرة مما سينعكس سلباً على ربحية المصارف وعلى رغبتها أو قدرتها على الإقراض.

وعلى الرغم من توافر السيولة النقدية والملاءة المالية، إلا أن معدلات الإقراض للقطاع الخاص تراجعت في المعدل العام الماضي وانخفضت أرباح البنوك لتعود إلى المستويات التي كانت سائدة عام 2005 عندما كان إجمالي الموجودات وحقوق المساهمين نحو نصف ماهو عليه الآن.

فما زالت البنوك حذرة من إقراض المطورين العقاريين وشركات الإنشاءات وتلك التي تعاني مستويات مديونية مرتفعة.

والتحدي الرئيسي يكمن هذا العام في قدرة الشركات على تمديد آجال الديون المستحقة وزيادة معدلات السيولة لديها.

فالشركات ذات التصنيف الائتماني المنخفض ستجد صعوبة في إعادة هيكلة قروضها أو إصدار السندات والصكوك ذات الآجال الأطول.

كما أن قرار شركة الطيار للسفر السعودية بإلغاء إصدار الأسهم الأولى (IPO) أخيرا هو مؤشر على الصعوبة التي قد تواجهها بعض الشركات عندما تقوم بزيادة رؤوس أموالها عن طريق إصدارات الأسهم في الأسواق المحلية.

وتبقى أزمة ديون دبي من عوامل عدم اليقين المؤثرة في الأسواق المالية لدول المنطقة.

وتتجه الأنظار كلها إلى دبي العالمية، حيث تأمل الأسواق أن تتم إعادة هيكلة مديونية الشركة والتي تقدر بنحو 22 مليار دولار بسرعة و بشفافية عالية.

غير أن هناك تخوفا من أن تطول عملية إعادة الهيكلة هذه وأن تؤدي إلى مفاجآت سلبية في الأشهر المقبلة.

وتقدر ديون دبي المستحقة هذا العام بنحو عشرة مليارات دولار وتلك التي تستحق في عام 2011 بنحو 15 مليار دولار.

وسيكون هناك تدقيق أكثر من قبل المقرضين والمتعاملين في الأسواق بجميع الديون المستحقة كإجراء وقائي.

والمشاكل التي تواجه اليونان حالياً قد تكون مؤشرا لما يمكن أن تتعرض إليه دول أخرى ذات مديونية مرتفعة سواء من المنطقة أو خارجها.

وتعتبر تقلبات أسعار النفط من عوامل عدم اليقين المؤثرة في دول المنطقة سواء بشكل مباشر من خلال تأثيرها في الإيرادات و النفقات الحكومية، أوبشكل غير مباشر لأنها تؤثر في الاتجاهات السائدة في أسواق الأسهم المحلية.

فقد سجلت مؤشرات هذه الأسواق خلال السنوات القليلة الماضية علاقة ترابط قوية مع أسعار النفط وصلت السنة الماضية في السوق السعودية على سبيل المثال إلى 90 في المائة.

وعليه فإن أسواق الأسهم في دول المنطقة قد تشهد المزيد من التوتر إذا ما تراجعت أسعار النفط إلى أقل من 60 دولارا للبرميل، أما إذا هبطت هذه الأسعار إلى أقل من 50 دولارا للبرميل فإن الوضع الاقتصادي ككل يصبح هشاً.

فميزانيات بعض دول المنطقة أظهرت عجزاً العام الماضي مع أن معدل سعر برميل النفط عندها كان في حدود 62 دولارا، مقارنةً بتحقيق فائض عام 2003 عندما كان معدل سعر برميل النفط في حدود 28 دولارا.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن أسعار الأسهم المحلية أصبحت تعكس بشكل متزايد حركة الأسواق الخارجية، إلى الحد الذي بات معه المساهمون يتابعون مؤشرات الأسهم العالمية وأسعار النفط لاتخاذ القرارات المحلية.

فأي تراجع في أسواق المال العالمية قد يكون له تأثير سلبي في أسواقنا.

وتبقى الإضطرابات الداخلية وعوامل عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول المجاورة من أهم عوامل عدم اليقين التي سيكون لها تأثير سلبي في الدول الخليجية.

ومع أن معظم دول المنطقة تتمتع باستقرار سياسي واجتماعي إلا أنه إذا ما حدثت نزاعات واضطرابات في دول مجاورة مثل إيران والعراق واليمن وفلسطين فإن ذلك سينعكس على استقرار المنطقة ككل.

فهناك احتمال كبير بأن تفرض عقوبات اقتصادية على إيران هذا العام، وهذا سيؤثر في عمليات إعادة التصدير والخدمات المصرفية والنقل والشحن والتأمين وغيرها من الخدمات التي توفرها دول خليجية مثل الإمارات والكويت والبحرين لإيران.

والأوضاع لا تبدو مستقرة في دول مثل اليمن والعراق أضف إلى ذلك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وإمكانية توسعه ليطول كل من سورية ولبنان.

ولابد من الإشارة أيضاً إلى التحدي الذي تواجهه البنوك المركزية في عمليات الإشراف والرقابة على المصارف الإسلامية العاملة لديها، خاصة خلال الأزمات.

فطبيعة البنوك الإسلامية ومنتجاتها المصرفية تختلف عن المنتجات المصرفية التقليدية وبالتالي يجب أن لا تعامل بالطريقة نفسها ووفقاً للمعايير ذاتها.

فالبنوك المركزية في المنطقة لا تمتلك الأدوات المطلوبة لتعزيز عمليات إدارة السيولة لدى البنوك الإسلامية إذ إن كافة الأدوات المتوافرة لضخ السيولة للبنوك التقليدية مثل الاقتراض من البنك المركزي لفترة قصيرة واتفاقيات إعادة الشراء وغيرها لا يمكن تطبيقها لأنها تعتمد على الفائدة في الوقت الذي لا تتوافر فيه الأسواق الثانوية للأدوات الإسلامية.

وعلاوة على ذلك فالبنوك المركزية لا تستطيع تقديم ضمانات على الودائع للمؤسسات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لأن الودائع لسيت التزاماً على هذه المؤسسات إذ إن المودعين من حيث المبدأ يجب أن يشاركوا في المخاطر والعوائد لهذه المؤسسات.

وأصبح واضحاً أن القطاع العام يتوقع له أن يلعب دوراً أكبر على الساحة الاقتصادية، فهناك عودة دراماتيكية للحكومات والتي أصبح المطلوب منها أن تكون المالك والضامن والمقرض للشركات التي تأثرت بالأزمة، بعد ما كانت في السابق تركز أكثر على الإشراف والرقابة.

والتحدي يكمن في كيفية إبقاء القطاع العام بعيداً عن إدارة الشركات التي ارتفعت ملكيته فيها، والحفاظ على الإنجازات التي تحققت خلال العشرين سنة الماضية من انفتاح وزيادة المنافسة والحد من البيروقراطية وكفاءة التسعير والحوكمة الرشيدة.

ومن أهم التحديات وعوامل عدم اليقين التي تواجه دول المنطقة تتعلق بقدرة وجاهزية هذه الدول لتفادي الأزمة المقبلة إذا ما حدثت.

فماهي الدروس التي اكتسبت وهل انعكس ذلك على القوانين والأطر التي تنظم الإقراض والتعامل في الأسواق.

هل لدينا نظام للإنذار المبكر الذي يساعد الجهات الرقابية للتعرف على الفقاعات وتنفيسها قبل أن تنفجر.

القول إن البنوك في دول المنطقة لديها ملاءة مالية مرتفعة مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية قد لا يكون كافياً بحد نفسه.

فقبل انهيار بنك ليمان كانت ملاءته المالية تفوق ماهو مطلوب بثلاث مرات.

كذلك تحتاج دول المنطقة إلى أن تضع موضع التنفيذ إطارا تنظيميا جديدا، يأخذ يعين الاعتبار الاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص، لكي تكون على أتم الاستعداد للتعامل مع الأزمات المقبلة إذا ما حدثت.

ومع أن الأسوأ قد أصبح خلفنا، غير أن منطقة الشرق الأوسط قد تكون آخر منظومة اقتصادية تخرج من تبعات الأزمة المالية، على اعتبارها أنها كانت آخر المناطق التي تأثرت بها.

فأداء المنطقة كان جيداً في عام 2008، بعكس ما كانت عليه الأوضاع عالمياً، غير أن معظم المشاكل ظهرت العام الماضي، وما زالت هناك تحديات لابد من مواجهتها للوصول إلى التعافي الكامل والمتوقع في عام 2011.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي