المشاركة في المشاريع: الاستراتيجية الصناعية أنموذجاً

من أهم عوامل نجاح المشاريع، مشاركة جميع أطراف المشروع، سواءً الجهات المستفيدة، أو المؤثرة، أو المنفذة، لضمان نجاح أي مشروع، في جميع مراحل المشروع، والتي تشمل إعداد الخطة الاستراتيجية، والتخطيط، والتنفيذ، والمتابعة، والتسلم. فمبدأ مشاركة أطراف المشروع يسهم في عدة جوانب منها سهولة تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة بشكل تكاملي وبكفاءة عالية، وترشيد الإنفاق الحكومي بدرجة عالية، وضمان الحصول على دعم الجهات ذات العلاقة في المشروع، والذي يسهل، لاحقاً، عملية تنفيذ المشروع. كما يؤدي مبدأ المشاركة في تطوير وتنفيذ المشاريع، أيضاً، إلى تحقيق درجة من الرضا والقبول والدعم لدى هذه الجهات من خلال مشاركة الجميع في النجاح، وليس جهة واحدة (مبدأ: النجاح ينسب ويشترك فيه الجميع). كما يسهم ترسيخ وتفعيل مبدأ المشاركة في المشاريع إلى سهولة تحديد الجهة المسئولة عن تنفيذ ومتابعة المشروع، وهو أهم وأصعب مرحلة، ويجب العمل عليه بين جميع أطراف المشروع، أثناء مرحلة تخطيط المشروع. وهناك عدد من المشاريع التي تم تطويرها وتنفيذها في المملكة خلال العقود القليلة السابقة، والتي تستحق النظر والتمعن في منهجية تطويرها وتنفيذها. ومن هذه النماذج الرائدة، مشروع تطوير الخطة الاستراتيجية للصناعة في المملكة.
وقد بادر، وبشكل متميز، فريق العمل المكلف من قبل وزارة التجارة والصناعة، برئاسة وكيل الوزارة للصناعة، المشرف على تطوير الخطة الاستراتيجية للصناعة في المملكة بدعوة الجهات ذات العلاقة بالمشروع للمشاركة في بناء الخطة الاستراتيجية للصناعة، في مراحله الأولية. فقد تم خلال فترة تطوير استراتيجية الصناعة دعوة والاجتماع مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، والقطاع الخاص (الصناعيين والتجاريين)، والإعلام، وغيرهم. وتم في هذه الاجتماعات مناقشة أهداف المشروع، ونطاق العمل في المشروع، وتفاصيل المشروع، والتي تشمل تحديد الصناعات المناسبة، والفرص والتحديات، وتبادل الآراء والمقترحات، وطرح نقاط القوة والضعف، وغيرها من المواضيع المؤثرة في المشروع.
ولعل مبادرة وزارة التجارة والصناعة، المباركة، في تفعيل مشاركة جميع أطراف المشروع في التطوير، والتنفيذ، والمتابعة، من خلال تكوين فرق عمل مشاركة، مشاركة حقيقية، في بناء المشروع، تسهم وتدعم في ترسيخ وتشجيع العمل المؤسساتي في القطاعات الحكومية. ولعل هذه الخطوة من قبل وزارة التجارة والصناعة تحفز وتشجع الجهات الأخرى، ليس فقط، لتفعيل مبدأ مشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة في المشروع، وإنما أيضاً إلى الاستثمار، أكثر، في العمل المؤسساتي. وقد يكون من المستحسن، أن تقوم وزارة التجارة والصناعة، باستخدام المنهجية نفسها في مشاركة أطراف المشروع، لمراجعة وتقييم الخطة التنفيذية للمشروع، ومناقشة كيفية ومن يقوم بتنفيذ المشروع، وتحديد مؤشرات الأداء في المشروع، وآلية وتوقيت المتابعة والتقييم، وكيفية إدارة المشروع من حيث الفترة الزمنية، والموارد المادية والبشرية، والمخاطر. وسوف نناقش هذه الجوانب فيما يخص استراتيجية الصناعة في المملكة في مقالات أخرى.
وقد يكون من الأفضل تعميم تجربة وتفعيل مبدأ المشاركة في المشاريع على جميع المشاريع الحالية والمستقبلية في المملكة. كما يمكن تعميم العمل المؤسساتي الذي عملت به وزارة التجارة والصناعة، على المشاريع التي بدأت، من خلال مشاركة الجهات ذات العلاقة. وفي مثل هذه الترتيبات الجديدة، يمكن للجهات ذات العلاقة بالمشروع مراجعة وتقييم العمل الحالي، وإحداث نوع من التكامل والترابط، والتعديلات اللازمة، إذا لزم الأمر. وهناك عدد من المشاريع الاستراتيجية، والتي تتطلب نوعاً من التكامل والترابط بين عدد من الجهات الحكومية، يمكن استخدام مبدأ المشاركة في تطويرها وتنفيذها. ومن أهم هذه المشاريع: مشاريع المدن الاقتصادية، ومشاريع المدن الصناعية، ومشروع تخصيص المياه والصرف الصحي، ومشروع تطوير التعليم، ومشروع تطوير الخدمات الصحية، ومشروع تطوير الأمانات والبلديات، ومشاريع تطوير التعليم الجامعي. وقد يكون من المستحسن في كل هذه المشاريع إشراك القطاعات الأخرى بشكل فاعل ومؤثر، وذلك كجزء مسؤول ومالك للمشروع. وفي عدة مشاريع استراتيجية، نلاحظ غياب وعدم مشاركة جهات حكومية مؤثرة، مما يترتب عليه، حتماً، مواجهة صعوبات وعقبات في المشروع.
وإذا أخذنا مشروع تطوير وتنفيذ المدن الاقتصادية، والذي تشرف عليه الهيئة العامة للاستثمار، فإنه قد يكون من المناسب، وفي هذا التوقيت، الوقوف ومراجعة وضع المشروع، والتوجهات الاستراتيجية في المشروع. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن تشكيل فريق عمل مشترك بين الهيئة العامة للاستثمار، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة التخطيط، ووزارة المالية، ووزارة العمل، والقطاع الخاص، وغيرها، لدراسة وتقييم وضع المشروع، وتقديم التوصيات المناسبة. والحديث نفسه ينطبق على مشاريع المدن الصناعية، من حيث تفعيل مشاركة الجهات الأخرى، مع ضرورة ربطه بمشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة.
كما أنه قد يكون من الأنسب إعادة دراسة وتقييم مشروع تخصيص المياه والصرف الصحي من خلال تشكيل فريق عمل بين وزارة المياه والكهرباء، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الخدمة المدنية، ووزارة العمل، والقطاع الخاص وهذا التعاون والمشاركة، من شأنه توحيد الجهود والتوجهات والتكامل، إضافة إلى توفير مبالغ كبيرة، من خلال المشاركة في التكاليف الرأسمالية لتطوير وتنفيذ البنية التحتية للأحياء والشوارع، مع ضمان توفير قدر من الجودة والكفاءة في التشغيل والصيانة.
أما بالنسبة لمشاريع تطوير التعليم والتعليم الجامعي، فقد يكون من المستحسن إشراك الجهات والأطراف ذات العلاقة في إعادة صياغة وتوجيه الأهداف الاستراتيجية لمشاريع تطوير التعليم. كما يمكن من خلال هذه العلاقة والشراكة الاستراتيجية بين الأطراف ذات العلاقة والمؤثرة في عملية التعليم، والأطراف المتأثرة بمخرجات التعليم، التوصل إلى اتفاق متبادل بين هذه الأطراف حول وضع ومشكلات مخرجات التعليم، والمهارات، والكفاءات، والتخصصات المطلوبة في سوق العمل. ومن دون العمل على هذا النحو بين جميع الأطراف المؤثرة في والمتأثرة من مخرجات التعليم، فقد تواجه مشاريع تطوير التعليم العام والتعليم الجامعي بعض الصعوبات والعقبات. ويمكن تكوين فريق عمل مشترك بين وزارة التربية والتعليم، والطلاب والطالبات وأولياء أمورهم، والمركز الوطني للقياس والتقويم، ووزارة التعليم العالي، والجامعات، والقطاع الخاص، لدراسة وتقييم العملية التعليمية، وتطوير خطة شاملة ومقبولة لتطوير التعليم في المملكة.
وبالنسبة لمشروع تطوير الخدمات الصحية، فقد بدأت وزارة الصحة، تحت قيادة جديدة، بتطوير مشروع استراتيجي لتطوير الخدمات الصحية في المملكة. وقد يكون من الأفضل تطوير خطة استراتيجية شاملة تغطي الخدمات الصحية المقدمة من جميع الجهات الحكومية والخاصة، تحت إشراف المجلس الأعلى للصحة وبمشاركة الجهات الصحية الخدمية: وزارة الصحة، وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، والحرس الوطني، والقطاع الخاص، والأهالي.
وللحديث بقية...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي