استراتيجية الحرير الصينية في آسيا
قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، طرح الأب الروحي لشؤون الجيوبوليتك، نيوكولاس سبايكمان، تحليله المشهور الذي قدر له أن يكون قاعدة متبعة من جانب كثير من الاستراتيجيين منذ ذلك الحين. وكان يرى أن من يحكم رملاند يحكم يوراسيا، ومن يحكم يوراسيا يسيطر على مقاليد العالم. وقد بدا أن يوراسيا فقدت أهميتها في هذا العصر الآسيوي بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن الصين تعيد اكتشاف أهمية آسيا الوسطى، كما أنها تأمل في إعادة تنظيم الشؤون الجيوبوليتيكية لآسيا نفسها.
هناك تقليدان يبعثان على التفاخر في التاريخ الصيني عملا على توسيع مدى سعة الحضارة، هما التجارة، ونظام الجزية، وكان التقليد الأول تحت سيطرة الأدميرال زهانج الذي قاد الأسطول الضخم لسلالة منج، حيث كان يضم مئات السفن التي تقوم بسبع رحلات سنوية منتظمة إلى إندونيسيا، والهند، وإفريقيا، بل وإلى الجزيرة العربية قبل 600 عام.
أما التقليد الآخر، فتمثل في دور الصين المهم في تطوير طريق الحرير القديم الذي ربط شرق وجنوب وغرب آسيا، مع أوروبا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. وكان هذا الطريق يمتد إلى سبعة آلاف ميل، كما كان طريقاً رئيساً، للتجارة، وبعثات التبشير، والجنود، عبر يوراسيا لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
حين ندرس الصين الحديثة، فإن الأدميرال هو الذي يحافظ على هذا التقليد، وهو يستحق الاحترام، بقدر ما يمكن أن يبعث الخوف. وقد ظل الغرب ينظر باهتمام كبير إلى آسيا البحرية ضمن اهتماماته الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية. ولدى الصين أوسع برامج تطوير الغواصات، وأكثرها طموحاً على النطاق العالمي، بينما يظل امتلاك حاملة كبيرة للطائرات رمزاً واضحاً لتنامي القوة العسكرية.
تركز الصين على توسيع نفوذها في شرق، وفي جنوب شرق آسيا، وبالذات في إطار قوتها البحرية، حيث يظل ذلك أمراً متوقعاً على الدوام. ونلاحظ، قبل كل شيء، أن الصين تستورد أربعة أخماس الطاقة من الخارج عبر ممرات ملقا التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. غير أن الصين تظل مصدر ضعف لجيرانها في المنطقة بسبب كونها مطوقة بالقوات البحرية الخاصة بالولايات المتحدة، وكذلك بعدد من التحالفات الأمريكية مع بعض دول المنطقة. ويتمثل أهم جانب في انكشافها باعتمادها الكبير على استيراد موارد الطاقة التي تنقلها السفن، وبالتالي فإن الميزة النسبية هي في الوقت الراهن لدى أمريكا، ولدى حلفائها في هذه المنطقة.
وتحاول الصين أولاً بناء مراكزها الخاصة بها ضمن نظام دقيق في هذه المنطقة، على الرغم من أن ذلك لا يزال في مراحله الأولى. وتتولى كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، وروسيا، إقامة علاقات استراتيجية، واقتصادية، ودبلوماسية مع الصين منظمة شنغهاي للتعاون.
تقدم طريق الحرير الجديدة للصين آمالاً وتوقعات خاصة بالتخلص من الاعتماد على الطاقة المنقولة بحراً، بحيث يقل اعتمادها على مضيق هرمز بعرض 22 ميلاً، وبسيطرة من جانب الولايات المتحدة، وكذلك مضائق ملقا بعرض 1.6 ميل، حيث تسيطر عليها الولايات المتحدة كذلك. ويسيطر الأسطول الأمريكي الخامس على المنطقة الأولى، بينما يتولى الأسطول الأمريكي السابع السيطرة على المنطقة الثانية. وهنالك خطوط نقل نفط تربط كازاخستان التي تمتلك 3 في المائة من الاحتياطيات النفطية العالمية، مع عدد من مصافي التكرير الصينية. وهناك كذلك محادثات متقدمة مع باكستان لمد خط لنقل النفط إلى الصين عبر ميناء جوادار، حيث يتم تطوير قدرات الميناء. ومن المنتظر أن يصل هذا الخط إلى إقليم كسنجانج الغربي الصيني.
والأمر الثالث هو أنه إذا شهدت آسيا الوسطى نهضة اقتصادية عبر الموارد النفطية، فإن لدى الصين خططاً مستقبلية لكي تصبح مركزاً بين آسيا الوسطى، وشرق، وجنوب شرق آسيا، في الوقت الذي كانت فيه اليابان، وسنغافورة، جهتين مؤثرتين تماماً على التجارة البحرية في هذه المنطقة.
هناك محدوديات متأصلة يمكن أن تعوق حتى أفضل الخطط إعداداً، حيث إن ميل أفغانستان إلى الولايات المتحدة، يمكن أن يثير تساؤلات حول خطوط نقل موارد الطاقة عبرها إلى الصين، وكذلك عبر تركمانستان. وحتى لو عمل خط الأنابيب بين كازاخستان والصين بكامل طاقته، فإن الشرق الأوسط سيستمر في تزويد الصين بأكثر من نصف حاجاتها من الطاقة. ونجد في الجانب الآخر أن الهند لا تكتفي بكونها قوة جنوب آسيوية، وإنما تتطلع إلى أن تصبح قوة ذات أثر ملحوظ على المستوى الآسيوي الشامل.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINIONASIA