متابعة وتقييم الخدمات والمشاريع الحكومية: نظام مؤشرات الأداء في خدمة مجلس الوزراء والمواطن

ما زال المواطن (المراجع؟) يعاني كل يوم من البيروقراطية الحكومية، وتأخر وسوء تقديم بعض الخدمات، وبالنظر إلى متابعة وحرص القيادة العليا - حفظها الله - بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - لما حصل في جدة ومناطق أخرى، وتعليمات الملك عبد الله لجميع الوزراء والمسؤولين في كل اجتماعات مجلس الوزراء بضرورة تقديم أفضل الخدمات للمواطن، وسرعة وحسن تنفيذ المشاريع، نجد أن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - يسعى لترسيخ مبادئ إدارية مهمة، لعل من أهمها التأكيد على مبدأ تحمل المسؤولية من قبل المسؤولين من وزراء وغيرهم، ومبدأ الحقوق مقابل الواجبات، ومبدأ (وهو الأهم) الحرص على إرضاء العميل (المواطن). كما أن من أهم المبادئ الإدارية التي يجب التنويه بها، أنه يمكن تفويض الصلاحيات، ولكن لا يمكن تفويض المسؤوليات. ويبدو أن هذا المبدأ غير واضح لبعض المسؤولين في القطاعات الحكومية. والذين يرون إمكانية تفويض الصلاحيات والمسؤوليات، إما بسبب عدم الفهم أو تهرباً من تحمل مسؤولياتهم. ويبدو أن جانب الأمان الوظيفي الذي يوفره العمل الحكومي، مع غياب نظام التقييم والمتابعة والتحفيز والعقاب الدقيق والعادل، أدى بشكل غير مباشر، إلى غياب العمل المؤسساتي في القطاعات الحكومية، وتزايد ظاهرة تسلط بعض المسؤولين على الموظفين والمواطنين.
وحسب الوضع الحالي، يتواصل المواطن مع القيادة العليا وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز والنائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز - حفظهم الله، من خلال البرقيات والمقابلات الشخصية (المعاريض) وغيرها، والتي تنطبق عليها سياسة الباب المفتوح في الإدارة، وهي سياسة مطلوبة ومحمودة. وهذا الأسلوب في الاستماع لشكاوى وطلبات المواطن، يمثل عبئاً كبيراً ويستهلك وقتاً كبيراً من وقت خادم الحرمين الشريفين الثمين، وقد يكون على حساب أعمال أخرى لها نفس الأهمية نفسها، إن لم يكن أكبر. كما أن أسلوب اللقاءات الشخصية مع أصحاب القرار ليست متاحة لجميع المواطنين، بسبب توسع المملكة الجغرافي.
ومن الناحية الأخرى، تعتمد الجهات الرقابية مثل مجلس الشورى، ووزارة المالية، وديوان الرقابة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق على التقارير التي يقدمها كل قطاع حكومي لتقييم مستوى وجودة أداء الخدمات وتنفيذ المشاريع. ويعيب هذا الأسلوب أن مصدر المعلومات، التقرير، هو مصدر غير مستقل (تعارض المصالح). فلا يمكن تصور أن تقدم أي جهة حكومية تقريراً يوضح ضعف وسوء الأداء، بسبب سوء الإدارة وإهمال المسؤولين والموظفين وتسلطهم، والتركيز على الشكليات على حساب العمل الرئيس. بل إن ما يلاحظ أن بعض التقارير المقدمة من القطاعات الحكومية، تخفي بعض الحقائق المؤلمة، وتؤجل التعامل معها لأكبر فترة ممكنة، على الأقل حتى تنتهي فترة تولي مسؤوليها مناصبهم. لذا فإنه من المهم، الحصول على معلومات عن أداء الجهات الحكومية من مصادر أخرى مستقلة، مثل المواطن، والمقاول، والموظف، والصحافة.
ويمكن للمقام السامي والجهات الأخرى الرقابية والتشريعية، استخدام طرق ووسائل أخرى لمتابعة وتقييم أداء القطاعات الحكومية الخاص بالخدمات وتنفيذ المشاريع. ولعل من أهم هذه الوسائل، تفعيل واستخدام مؤشرات الأداء لجميع القطاعات الحكومية. ويتمحور هذا النظام حول ضرورة التركيز على العميل (أو المواطن بالنسبة للقطاع الحكومي) في تقييم أعمال وخدمات الشركات. ويتم استخدام هذا الأسلوب في القطاع الخاص بشكل كبير، بل إن هذا النظام هو المحرك الأساسي لقياس مدى جودة وكفاءة الأعمال في شركات القطاع الخاص. وتعتمد مؤشرات الأداء، على قياس الأداء من خلال توفير عدة مؤشرات، منها مدى ونسبة رضا العميل، وعدد المهام المنجزة (بشكل كامل) لكل موظف، وعدد شكاوى العملاء، ونسبة المنجز في المشاريع، ومدى توافق الإنجاز في المشاريع مع ما تم التخطيط له، وغيرها من المؤشرات المهمة. وينبغي التنويه إلى أن الشركات التي تتميز بوجود جودة عالية في خدماتها، تعتمد على جهات مستقلة لتقييم أدائها وتحديد مدى رضا العملاء عن خدماتها.
ويمكن لهذا النظام، توفير معلومات فورية للمقام السامي عن أداء كل قطاع مثل عدد شكاوى المواطنين، ونسبة الزيادة في عدد الشكاوى، شكاوى وتظلم الموظفين، ونسبة الزيادة فيها، ووضع المشاريع، ونسبة الإنجاز في كل مشروع، والمخاطر التي يواجهها كل مشروع، وغيرها من المعلومات والمؤشرات المهمة. وللحصول على أفضل المؤشرات وتفعيلها للرقي بمستوى القطاعات الحكومية، يجب وضع المؤشرات المقبولة والاتفاق على نوعيتها وكميتها وقياسها، بحيث يمكن مقارنتها بالمؤشرات الفعلية، لتحديد الفروقات.
ويمكن تطوير وتنفيذ نظام مبسط لقياس مؤشرات الأداء في القطاعات الحكومية، وفي وقت قياسي، للحصول على معلومات عن أداء كل القطاعات الحكومية، على أن يتم التركيز على المواطن كمصدر للمعلومات. ويمكن من خلال هذا النظام، توفير آلية مباشرة لتقييم أداء القطاعات الحكومية والرقابة عليها، ومنح نوع من القوة والمسؤولية للمواطن، تمكنه من استخدامها بشكل عادل مع المسؤولين والموظفين في القطاعات الحكومية. كما أن هذا النظام، إذا ما تم تطويره وتنفيذه بشكل صحيح، سيؤدي إلى رفع مستوى وأداء القطاعات الحكومية، نظراً لإحساس المسؤولين والموظفين، بوجود جهة عليا، تتابع وتراقب أعمالهم.
ونظراً لانشغال ومحدودية الوقت المتاح للمقام السامي، وحجم وكمية المعلومات المتوقعة، وتعدد القطاعات الحكومية، يمكن للمقام السامي الاعتماد على ما يسمى نظام التقارير بالاستثناء، لتقييم ومتابعة أعمال القطاعات الحكومية. وهذا المبدأ، يفترض حسن وجودة أداء القطاعات الحكومية كأساس، مع توفير معلومات تفصيلية للجهات العليا في الدولة عن أي قصور أو ضعف في أي من مؤشرات الأداء، على أن يتم رفع تقارير تنفيذية للمقام السامي في حالة وجود انحراف، أو سوء أداء كبير، أو مخاطر كبيرة. وتوفير مثل هذه المعلومات سيساعد الدولة على معالجة مواطن الخلل والقصور في أداء القطاعات الحكومية، بشكل مستمر وفوري، وقبل حدوث كوارث لا سمح الله، مثل ما حدث في مدينة جدة الحبيبة. وللحديث بقية...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي