فلننظر إلى إمكانات المواطنين بواقعية
وجهت الدولة إلى أهمية توفير السكن الصحي والملائم لكل أسرة، وتيسير حصول المواطنين على المساكن، وزيادة معدلات تملّكهم لها، وأكدت على ذلك - بشكل صريح وواضح - في جميع خطط التنمية الخمسية، وكذلك في تنظيم الهيئة العامة للإسكان. لكن واقع سوق الإسكان مخالف لهذه التوجهات، فأسعار الغالبية العظمى من المساكن المعروضة في السوق تفوق بمراحل الإمكانات المالية الفعلية للغالبية العظمى من الأسر السعودية الراغبة في امتلاك مسكن، خصوصاً أن قنوات الدعم الحكومي (المتمثلة في برنامج منح الأراضي السكنية، وقروض صندوق التنمية العقارية) أصبحت غير مجدية، نظراً لعدم توافر الخدمات والمرافق في غالبية مخططات منح الأراضي السكنية، أو لوقوعها خارج النطاق العمراني للمدن، وكذلك لطول قوائم الانتظار على قروض صندوق التنمية العقارية التي تزيد على 15 عاماً، إضافة إلى عدم كفاية القرض لشراء مسكن من المساكن المستقلة المعروضة في السوق.
إن أكثر المساكن المستقلة (أعني التي لها مدخل مباشر على الشارع) والمعروضة في سوق الإسكان في المدن الرئيسة تصل أسعارها إلى قرابة مليون ريال، ومسكن هذه تكلفته لا يمكن أن تمتلكه إلا أسرة دخلها الشهري يزيد على 20 ألف ريال. فكم من الأسر السعودية الشابة أو المتكونة حديثاً والراغبة في امتلاك مسكن يصل دخلها الشهري إلى 20 ألف ريال أو حتى عشرة آلاف ريال؟ إن متوسط الدخل الشهري لغالبية الشباب المتخرجين حديثاً - والحاصلين على مؤهل جامعي - يراوح بين أربعة آلاف وثمانية آلاف ريال في الشهر، وقد يقل الدخل الشهري عن أربعة آلاف ريال للذين لم يحصلوا على مؤهل جامعي؛ فكيف نتوقع منهم شراء مسكن تبلغ قيمته ما يقارب مليون ريال؟
إن استمرار تطبيق تنظيمات البناء التي تعوق إنشاء المساكن المستقلة الصغيرة، وعناية المطورين بتوفير المساكن لذوي الدخول المرتفعة أو المتوسطة؛ يقفل باب الأمل أمام الأسرة المتكونة حديثاً في امتلاك مسكن مستقل. فلو أردنا احتساب قيمة المسكن الذي تستطيع أن تمتلكه أسرة دخلها الشهري خمسة آلاف ريال، عن طريق دفع ثلث دخلها على شكل أقساط شهرية للحصول على قرض مماثل في طريقة احتساب فوائده لبرنامج «مساكن» التابع للمؤسسة العامة للتقاعد؛ فإن المبلغ الذي تستطيع الأسرة الحصول عليه لشراء مسكن سيبلغ قرابة 250 ألف ريال، أما إذا كان دخل الأسرة سبعة آلاف ريال فإن المبلغ الذي ستحصل عليه لشراء مسكن سيبلغ قرابة 350 ألف ريال فقط.
إن السؤال الأهم بعد مراجعة هذه الحقائق هو: ماذا قدمنا من آليات وبرامج وتنظيمات تدفع بسوق الإسكان إلى توفير مساكن مستقلة تراوح قيمتها بين 250 و350 ألف ريال حتى تتحقق توجهات الدولة في تمكين المواطنين من الحصول على المسكن الملائم، وزيادة معدلات امتلاكهم له؟