«سبعون» خالد الفيصل
أتمَ الأمير خالد الفيصل عامه السبعين يوم الثلاثاء الماضي, مطلقا سبعينيته الحضارية وهو يشدو ''يحسبون العمر أيام وسنين.. والرجال إنجازها حياتها''. لم يكن خالد الفيصل يمر بهذه المرحلة دون أن يضع بصمته, فقد امتهن الإبداع والريادة, مستمدا عزمه من ''سيرة هله... رافعين الرأس في شدَاتها''.
خالد الفيصل, حالة خاصة واستثنائية, ليس على صعيد الفكر والشعر والإدارة فحسب, وإنما على صعيد الرؤية والتنمية والتخطيط والطموح. يودع السبعين قائلا: ''راحت السبعين وأحلامي بقت''.
جمعني بالخالد الفيصل, المكان والزمان, فقد ولدت في ذات الشهر والسنة التي قاد فيها قطار التنمية في عسير في الشهر الثاني من عام 1391هـ. لم يسبق لي شرف اللقاء بسموه, ولكني التقيت إنجازاته الحضارية في كل ركن من أركان منطقة عسير. لقد كان أمين سياسة الوطن التنموية في المنطقة, ومهندسها الأول. عندما حان وقت دخول السنة الابتدائية الأولى، كانت خيارات جيلي مئات المدارس, من الصحاري إلى رؤوس الجبال, ومن السهل إلى الساحل. رَكبت أجيالٌ قطار خالد الفيصل السريع وهي تردد معه ''الحياة بدون حلم ضايعة... وان تحقق حلمها حلاتها''.
عندما يجلس خالد الفيصل على كرسي الإمارة, فإنه ''يعتصر من الشدائد خبرته''. يجمع هيبة الحكم وسمو الفكر وريشة الفنان وإحساس الشاعر, تتنافس فيه وعليه, تجد كل يد ما تصافحه, فهو يحكم بسمو الفكر, ويرسم بإحساس الشاعر, ويكتب'' حاولت سبعيني تهز الثبات.. وانتصر صبري على حيلاتها''.
يستأمن خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - خالد الفيصل من جديد على نمط جديد من أنماط التنمية الوطنية في منطقة مكة المكرمة. رؤية القيادة في تنمية مكة المكرمة تستند إلى قول الحق تبارك وتعالى: ''فلنولينك قبلة ترضاها'' البقرة: 144. أجل إنها مكة المكرمة, إنها أم القرى.
كيف ينفذ خالد الفيصل هذه الرؤية؟ هل ينفذها على أساس إجمالي الأرباح مقسوما على عدد المساهمين الأخيار؟ كلا, إن خياره '' أصلح الأعمال خدمة دينها.. وخدمة الأوطان هي لذاتها''. لدى خالد الفيصل حلم مسلم غيور يريد مكة المكرمة في موقعها الطبيعي كمنارة حضارية متكاملة الأركان، هي رؤية القيادة, ورسالة الأمير, وهدف كل مسلم.
وقف خالد الفيصل في منتدى جدة الاقتصادي لا ليقرأ الكلمات وينتظر التصفيق, وإنما لتقرأه الكلمات ويصفق هو لأهل جدة، كأني به يواسي جدة وأهلها من جراء كارثة السيول في يوم عرسها الاقتصادي, ليقول: ''واعرف الآلام من دون المرض.. وانكسار الفرحة بدمعاتها''.
هل رأيتم خالد الفيصل عندما كانت تعرض عليه بعض الخرائط إبان أزمة سيول جدة؟ كان يردد سؤالا جوهريا: أين ينتهي هذا المجرى؟ يكرر السؤال ولا يكاد يجد الإجابة!! أسئلة خالد الفيصل لا تنتهي، لأن الخرائط والتقارير وعبارات الثناء لا تأخذه بعيدا عن أسئلته الجوهرية التي اعتادها. هو يسأل في قالب جواب نصه: ''أعرف العبرات من غير الدموع.. وأعرف الونات دون آهاتها''.
قدر خالد الفيصل أن يستأمنه القائد الخير على تصفية فرع من فروع أوجه القصور الإداري المحفوف بشبهة الفساد وضياع التخطيط, الذي قطع طريق المال العام, وخطف أرواح العشرات, ووضع مجتمعنا بأسره أمام تحدي الوقوف على الحقيقة مهما كان ثمنها. لتكون افتتاحية محضر التحقيق ''بعضهم يعيش من بعد الوفاة... وبعضهم حياتهم وفاتها''.
يواصل خالد الفيصل تحقيقاته, ولن أستغرب إذا كرر سؤاله الكبير: أين ينتهي المجرى؟! أين ينتهي المجرى؟!
سبعون خالد الفيصل - مع خالص الدعاء له بالعمر المديد - لم تغب, وليست مرحلة عمرية عابرة, وإنما هي حالة تحدٍ, وصورة من صور نماء هذا الوطن وريادته, وواجب ودور كل من '' ورث حمل الرجال الأولين... صانعين المجد فوق شتاتها''.