النفط والغرفة التجارية في جدة
في عددها الصادر يوم الثلاثاء 2/3/1431هـ الموافق 16/2/2010م نشرت جريدة ''الاقتصادية'' خبراً تحت عنوان (غرفة جدة توقع اتفاقية مع ''جيوتك'' لاستخلاص المتبقي من آبار النفط). لقد أثار عنوان الخبر انتباهي ووجدت نفسي على الفور أتساءل في استغراب ودهشة: ما شأن الغرف التجارية بالنفط؟ هل حلت هذه الغرف محل وزارة البترول والثروة المعدنية وأصبح لها صلاحية التفاوض وإبرام العقود في مجال استخراج النفط؟! ومتى وكيف أعطيت هذه الصلاحيات؟!
ثم قرأت الخبر وكان مفاده (أن الغرفة التجارية الصناعية في محافظة جدة وقعت على هامش منتدى جدة الاقتصادي اتفاقية مع شركة جيوتك الروسية لاستخلاص المتبقي في آبار النفط بحضور مازن بن محمد بترجي نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة وسيرجي كوزنيتسوف القنصل العام الروسي في جدة.
وأوضح بترجي أن الاتفاقية التي تم توقيعها مع الشركة ومثلها فلاسوف ألكس نائب رئيس الشركة تقضي بزيارة شركة أرامكو للحصول على موافقتها وبدء العمل في بعض الآبار لاستخراج ما يمكن استخراجه، إضافة إلى ما تم استخراجه من هذه الآبار, وتعد غرفة جدة وكيلا رسمياً لهذه الشركة في الخليج، مشيراً إلى اقتناع شركة أرامكو بالفكرة مبدئياً وبعد إبراز الدراسات في الدول التي عملت فيها الشركة وتنفيذ الإجراءات من قبل ''أرامكو'' والتحقق من نجاحات الشركة, سيتم التعامل معها.
وأضاف بترجي أن هناك كثيراً من الآبار توقفت وتحتاج إلى ضخ بعض المياه لإخراج مزيد من النفط، ولدى الشركة تكنولوجيا تمكنها من استخراج 50 في المائة من النفط بتكلفة منخفضة، وقد نجحت تجارب الشركة في ذلك. وتعد السعودية في مقدمة دول الخليج التي وقعت اتفاقيات من هذا النوع، وستتجه شركات خليجية إلى التوقيع مع هذه الشركة خاصة بعد إقرارها من ''أرامكو'' السعودية.
وبعد قراءة الخبر زالت تساؤلات الاستغراب والدهشة لأن مضمونه يفيد أن العلاقة بين الغرفة التجارية الصناعية في جدة والشركة الروسية تقوم على أساس الوكالة، فالغرفة مجرد وكيل للشركة الروسية التي ستسعى إلى التفاوض والتعاقد مع شركة أرامكو السعودية للتنقيب في آبار النفط التي نضبت أو التي توقفت عن الإنتاج بسبب ضآلة ما تبقى فيها من نفط.
وإذا كانت قراءة مضمون الخبر قد أزالت تساؤلات الدهشة والاستغراب التي أثارها العنوان إلا أن هذه القراءة أثارت تساؤلات أخرى لم أجد لها إجابة. فالعلاقة بين الغرفة التجارية الصناعية في جدة والشركة الروسية تقوم ـ كما أفاد الخبر ـ على أساس الوكالة ولكن لم تتضح طبيعة هذه الوكالة، هل هي وكالة خدمات؟.. إن كانت كذلك، فما هي الخدمات التي ستقدمها الغرفة للشركة؟ وهنا قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن وكالة الخدمات التي كان ينظمها نظام العلاقة بين المقاول الأجنبي ووكيله السعودي لم تعد مطلوبة لأن المشرع ألغى النظام المذكور. وإذا لم تكن هذه العلاقة قائمة على أساس وكالة الخدمات، فهل هي وكالة تجارية؟ فإذا كانت وكالة تجارية فهذا يعني أن الغرفة التجارية ستتولى مهام الترويج والتسويق لخدمات ومنتجات الشركة الروسية في السوق السعودية، فإذا كان الأمر كذلك فإن الغرفة تكون بإبرام اتفاقية الوكالة مع الشركة الروسية قد انتهكت نظام الغرف التجارية والصناعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 30/4/1400هـ، فالنظام المذكور حدد في المواد من (5) إلى (10) اختصاصات الغرف التجارية الصناعية والأعمال التي تستطيع مزاولتها، وليس من بينها أعمال الوكالة. ومن باب التذكير أسرد هنا هذه الاختصاصات كما حددتها المادة الخامسة، حيث جاء نصها كما يلي:
تختص الغرف التجارية والصناعية بالأمور الآتية:
أ- جمع ونشر جميع المعلومات والإحصاءات التي تتصل بالتجارة والصناعة.
ب- إعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالتجارة والصناعة.
ج- إمداد الجهات الحكومية بالبيانات والمعلومات في المسائل التجارية والصناعية.
د- تقديم الاقتراحات بشأن حماية التجارة والصناعة الوطنية من المنافسة الأجنبية.
هـ - إبلاغ التجار والصناع بالأنظمة والقرارات والتعليمات ذات المساس بالأمور التجارية والصناعية.
و - إرشاد التجار والصناع إلى أهم البلدان والمناطق التي يستوردون منها أو يصدرون إليها بضاعتهم وكذلك إرشادهم إلى طريق تطوير التجارة والصناعة.
ز - حصر ومناقشة مشكلات التجاريين والصناعيين تمهيداً لعرضها على الجهات الحكومية المختصة.
ح - فض المنازعات التجارية والصناعية بطريق التحكيم إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها.
ط- تبصير التجار بفرص الاستثمار الجديدة في المجالات التجارية والصناعية عن طريق التنسيق مع الجهات المختصة.
ى - تشجيع التجار والصناع وحثهم على الاستفادة من بيوت الخبرة المحلية والأجنبية. وتشجيع الاستثمارات في المشاريع المشتركة للمساهمة في تحقيق التنمية.
إضافة إلى هذه الاختصاصات أجازت المادة السادسة من النظام المذكور للغرف التجارية والصناعية بعد موافقة وزير التجارة إقامة المعارض والأسواق ومراكز التدريب الفنية وكل ما من شأنه الإسهام في تقدم وتطور التجارة والصناعة. كما أجازت المادة السابعة للغرف بعد موافقة وزارة التجارة الاشتراك في المؤتمرات التي تتصل بطبيعة نشاطها وتنظيم إرسال واستقبال الوفود التجارية والصناعية. وخولت المادة الثامنة الغرف أن تصدق وتصدر الشهادات والمحررات والمستندات التي يحددها وزير التجارة بقرار منه, وذلك مقابل رسم يحدده وزير التجارة. وفي سبيل تمكين الغرف من تحقيق أغراضها أجازت المادة التاسعة أن تقوم الغرف بما يلي:
أ - إصدار المجلات والنشرات التي تخدم التجارة أو الصناعة.
ب - الاتصال بالغرف الأخرى أو الجهات الحكومية للحصول على البيانات والمعلومات المتعلقة بالتجارة أو الصناعة.
ج - تشكيل اللجان المختصة من بين المشتركين فيها أو غيرهم لإعداد الدراسات والبحوث والتقارير التي تساعد على تطوير التجارة والصناعة.
د - تملك وإنشاء العقارات لتحقيق أغراضها.
ولأن المادة الأولى من النظام المذكور قد عرفت الغرفة التجارية بأنها (هيئة لا تستهدف الربح وتمثل في دائرة اختصاصها المصالح التجارية والصناعية لدى السلطات العامة وتعمل على حمايتها وتطويرها) فقد قررت المادة العاشرة من النظام المذكور أنه (لا يجوز للغرف التجارية والصناعية الاشتغال بذاتها أو بالواسطة بالأعمال التجارية أو الصناعية).
وترتيباً على ما تقدم نقول إنه وإن كانت الغرفة التجارية الصناعية في جدة لن تشارك الشركة الروسية ''جيوتك'' في ممارسة الأعمال المتصلة باستخراج النفط من الآبار الناضبة أو الموشكة على النضوب, إلا أن اتفاقية الوكالة المبرمة بين الطرفين سواء كانت تقوم على أساس وكالة خدمات أو وكالة تجارية مقابل عمولة معينة أو وكالة عادية دون مقابل مالي فهي اتفاقية باطلة, لأنه ليس من اختصاصات الغرف التجارية القيام بأعمال الوكالة عن الغير سواء بأجر أو دون أجر، فأهلية الغرفة التجارية كشخص اعتباري قادر على التعامل أي على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، تتحدد في نطاق أغراضها واختصاصاتها الموضحة في نظام الغرف التجارية والصناعية، فالغرف لا تملك تجاوز هذا النطاق, ويترتب على تجاوز القائمين على إدارة الغرف التجارية لأغراض واختصاصات هذه الغرف تحمل مسؤولية الأضرار التي قد تلحق بالغرف والمشتركين فيها نتيجة هذا التصرف واعتبار كل تصرف مخالف لهذه الأغراض والاختصاصات باطلا بطلاناً مطلقاً.
وإذا كان لدى الغرفة التجارية في جدة سند قانوني لم نحط به خبراً يجيز لها إبرام اتفاقية الوكالة مع الشركة الروسية نرجو أن تتفضل ببيانه حتى نطمئن أن تصرفاتها في هذا الشأن لا تخرج عن نطاق المشروعية القانونية.