ما حكَّ جلدَك مثلُ ظُفْرك
إن أعداد الأسر الفقيرة التي لا تستطيع الحصول على المسكن الملائم في تزايد واضح، ليس في المملكة فحسب بل في جميع أنحاء العالم، وللأسف فإن أغلبية الحكومات تقف عاجزة عن حل المشكلة بأسلوب بناء المشاريع الإسكانية لهم، مع أن حل المشكلة ينطلق بكل بساطة من توفيرباقة أو مجموعة متكاملة من برامج التمكين وقنواته. ويعد برنامج مشاركة الأسر المستفيدة في توفيرالمساكن أحد أنجح البرامج لسكان المناطق الريفية والنائية، فبالاعتماد على مقدرات الشباب والرجال الأصحاء، وتوظيف كثير من الوقت المتاح لديهم للمشاركة في التنفيذ، يتمكنون من توفير مساكن ملائمة لاحتياجاتهم، خصوصاً أن أسلوب المشاركة يمكنهم من بناء ما يرغبون فيه حسب ظروفهم وميولهم، ويمنحهم الإحساس بالانتماء، ويكسبهم الخبرات التي تساعدهم على تطوير المسكن وبنائه على مراحل، وتحفزهم بعد ذلك للعمل بشكل مستمر على تحسين أوضاعهم وتحقيق أحلامهم. كما أن تدريب السكان على بناء المساكن يعزز من مقدرتهم على صيانتها ويسهل عليهم عملية العناية بها، بل ربما يمكنهم من اكتساب وامتلاك مهارة أو مهنة قد تفتح لهم فرص العمل في مجال الإنشاء والتعمير.
إن تمكين الأسر ذات الدخول المنخفضة في المناطق الريفية من المشاركة في بناء مساكنها، أو تنفيذها بالكامل؛ يُعدُّ من أهم العوامل التي ستسهم في حل المشكلة بتكاليف أقل وبسرعة أكبر. لقد كانت الأسر قديماً في أغلبية مناطق المملكة توفر مساكنها بمقدرتها الذاتية أو بالمشاركة والتعاون فيما بينها، وباستخدام مواد البناء المتوافرة حولها (مثل: الطين والحجارة والأخشاب وغيرها)، بعد تطويعها بتقنيات مبسطة. ولكن استخدام عديد من التقنيات الحديثة والمعقدة لبناء المساكن في العقود الأخيرة جعل مشاركة الأسر بالغة الصعوبة؛ لأن استخدام تقنيات البناء المعاصرة يتطلب عمالة ماهرة، ومعدات متخصصة؛ لذا فإن إيجاد برامج لتوفير المساكن بمشاركة المستفيدين في التصميم والتنفيذ، بمراحل تطبيق واضحة، وباستخدام تقنيات بناء حديثة وبسيطة، وخطوات تفصيلية تحدد الإجراءات اللازمة لإنجاحها؛ سيعمل على المساهمة في إعادة تفعيل دور الأسر في توفير مساكنها.
إن معادلة نجاح المساهمة في دعم الإسكان تتأثر بنسبة الترشيد في نفقاته، وبارتفاع نسبة مشاركة الأسر المستفيدة ومساهمتها في توفير المساكن؛ لذا تقتضي الضرورة توجيه جزء من الجهود الحكومية والأهلية ومخصصات الإسكان إلى توفير المساكن بأساليب المشاركة، وتمكين الأسر المستفيدة من المشاركة في بناء مساكنها، أو بنائها بالكامل بمقدرتها الذاتية، خصوصاً في المناطق الريفية والنائية، وفي الأحياء المتدهورة في المدن.
ويتعين لتفعيل أسلوب توفير المساكن بمشاركة المستفيدين في المملكة اتِّباع عدد من المراحل والخطوات التي تؤدي إلى نجاحها، وتعمل بعد ذلك على ضمان استمراره، بشرط أن تبدأ هذه المراحل بتكوين المؤسسات الراعية التي تهدف إلى تمكين المستفيدين من المشاركة في توفير مساكنهم. وتعد مرحلة تكوين المؤسسات الراعية من أهم المراحل؛ لأن نجاحها يضمن نجاح تطبيق أسلوب البناء بمشاركة المستفيدين. فهذه المؤسسات تشكل العمود الفقري لإعادة تفعيل دور الأسر في توفير مساكنها، بما تقدمه من دعم وخدمات استشارية وتدريبية للأسر المستفيدة، ولا يمكن من دون جهودها الإدارية والاجتماعية والهندسية والفنية تحقيق أي نجاح. وسيتم - إن وفق الله تعالى - تخصيص المقال القادم للحديث بتوسع عن المؤسسات الراعية وأهميتها ودورها.