تنازع الاختصاص القضائي الولائي (2)
أوضحنا في المقال السابق أن تنازع الاختصاص القضائي الولائي ينقسم إلى نوعين، إيجابي وسلبي. فالتنازع الإيجابي يتحقق عندما ترفع دعوى أمام جهتين قضائيتين، وتتمسك كل منهما بولايتها بنظر الدعوى وأن التنازع السلبي يتحقق عندما تقرر كل من الجهتين القضائيتين عدم اختصاصها بنظر الدعوى، واستعرضنا نصوص نظام القضاء الجديد بشأن كيفية حل تنازع الاختصاص الولائي بين أحد المحاكم الخاضعة لهذا النظام أي محاكم القضاء العادي التي تشرف عليها إداريا وزارة العدل وإحدى محاكم ديوان المظالم أو أي جهة أخرى تختص بالفصل في بعض المنازعات، كذلك سردنا نصوص نظام ديوان المظالم الجديد بشأن كيفية حل تنازع الاختصاص الولائي بين إحدى محاكم ديوان المظالم وجهة أخرى تختص بالفصل في بعض المنازعات مثل التنازع السلبي الذي حدث بين ديوان المظالم ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بشأن القضية القائمة بين شركة المصافي وشركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي، حيث صدر حكم من الديوان بعدم الاختصاص وصدر حكم آخر من اللجنة المذكورة بعدم الاختصاص أيضا وقلنا إن حل هذا التنازع بشأن هذه القضية يكون بتطبيق القواعد والإجراءات المنصوص عليها في المادة (15) من نظام ديوان المظالم.
واستكمالاً لما سبق أود الإشارة هنا إلى أن المشرع لم يضع تنظيماً خاصاً لحل تنازع الاختصاص الولائي بين الهيئات واللجان ذات الاختصاص القضائي ومثاله أن يثور تنازع حول الاختصاص الولائي بين مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية أو ينشأ تنازع بين لجنة تسوية المنازعات المصرفية ومكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية. أو ينشأ تنازع بين لجنة النظر في المخالفات المنصوص عليها في نظام المطبوعات والنشر ولجنة النظر في المخالفات المنصوص عليه في نظام حماية حقوق المؤلف.
(2)
ونظراً لأن هذه اللجان هي في الأصل لجان إدارية مخولة باختصاصات قضائية محددة، كما أن قرارات بعضها قابلة للاعتراض عليها أمام ديوان المظالم فإنني أقترح أن يصدر المشرع تنظيماً يقضي بإسناد حل تنازع الاختصاص الولائي بين هذه الهيئات واللجان إلى ديوان المظالم طبقاً للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في نظام هذا الديوان.
ومن جهة أخرى فقد يكون من تمام البحث في هذا الموضوع أن نشير إلى الشروط العامة والشروط الخاصة لقيام حالة تنازع الاختصاص القضائي الولائي، وقد شرحها بعض فقهاء القانون في مؤلفاتهم، واعتماداً على كتاب (الدفوع المدنية الإجرائية والموضوعية) للدكتور عبد الحميد الشواربي، سأحدد هنا هذه الشروط بإيجاز وذلك على النحو التالي:
أولا – الشروط العامة: يشترط لقيام حالة تنازع الاختصاص الولائي شرطان أساسيان هما:
1 – أن يثور التنازع بشأن دعويين تتحدان موضوعاً وأطرافا وسبباً، فإذا اختلف الموضوع في إحدى الدعويين عنه في الدعوى الأخرى، انتفى القول بقيام التنازع.
2 – أن يقوم هذا التنازع بين جهتين قضائيتين.
ثانياً – الشروط الخاصة: يشترط لقيام حالة التنازع الولائي الإيجابي ما يلي:
1 – قيام دعوى أمام جهتي قضاء بمعنى أنه يجب أن تكون الدعوى قائمة أمام الجهتين في الوقت الذي يقدم فيه طلب حل التنازع، فإذا كانت الدعوى أمام إحدى الجهتين قد زالت قبيل الفصل في موضوعها كما لوحكم ببطلان صحيفة الدعوى وبقيت الدعوى أمام الجهة الأخرى، فلا يقبل طلب تعيين الاختصاص الولائي، وكذلك إذا كانت الدعوى قد انقضت بصدور حكم نهائي في الموضوع من إحدى الجهتين.
2 – أن تتمسك كل من الجهتين بولايتها بنظر الدعوى والفصل فيها، وذلك بأن تكون كل جهة رفضت دفعاً قدمه أحد الخصوم بانتفاء ولايتها.
(3)
3 – أن يترتب على هذا التنازع صدور حكمين نهائيين متناقضين، ويتحقق هذا التناقض إذا كانت كل جهة قضائية فصلت في موضوع دعوى واحدة على نحو مختلف، حيث تكون هناك صعوبة أو استحالة في تنفيذهما معاً أو بحيث يكون تنفيذ أحدهما متعارضاً مع ما للآخر من حجية. ويشترط ألا يكون الحكمان أو أحدهما قد نفذ، فإذا كان أحدهما قد نفذ فقد انتفى قيام التنازع بين الحكمين ولا يقبل عندئذ طلب حل التنازع بينهما.
ومن جهة أخرى فإنه يشترط لتوافر حالة التنازع الولائي السلبي ما يلي:
1 – أن تقضي كل من الجهتين بعدم ولايتها بنظر الدعوى:
فلا يتوافر هذا النوع من التنازع إذا كانت إحدى الجهتين قد قضت بعدم ولايتها بنظر الدعوى، وكانت الجهة الأخرى لم تفصل بعد في الدعوى المعروضة أمامها أو إذا كانت قد قضت بولايتها بنظرها.
2 – أن يكون الحكمان بعدم الولاية قد أصبحا نهائيين:
إذ يتعين لفض التنازع السلبي أن يكون الحكمان بعدم الولاية قد أصبحا نهائيين باستنفاد طرق الطعن عليهما. ذلك أنه إذا كان باب الطعن لا يزال مفتوحاً بالنسبة لأي من هذين الحكمين، يتعين اللجوء إلى هذا الباب قبل الالتجاء إلى طلب حل التنازع.
تبقى نقطة أخيرة جديرة بالذكر وهي أن الاختصاص القضائي الولائي يعد من المسائل المتعلقة بالنظام العام، ولذلك فإنه يجوز لأي من الخصوم إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى كما أنه يتعين على المحكمة أو الجهة القضائية أن تتحقق من اختصاصها بنظر موضوع الدعوى قبل الفصل فيها، وذلك دون حاجة إلى الدفع بذلك من قبل أحد الخصوم. ويحدث أحيانا تأخر المحكمة أو الجهة القضائية في التحقق من مسألة الاختصاص الولائي ثم تحكم بعدم الاختصاص بعد مدة طويلة من الزمن قد تصل إلى بضع سنين انعقدت خلالها جلسات عديدة ترافع خلالها أطراف النزاع وقدموا ما لديهم من دفوع ودفاع. ولذلك فإنه حفاظاً على وقت وجهد المحكمة والمتقاضين يتعين على المحكمة أو الجهة القضائية أن تتحقق من مسألة الاختصاص الولائي والبت فيها خلال جلستين على الأكثر.