هل أخفقت قمة كوبنهاجن لتغير المناخ؟
إن قمة كوبنهاجن لتغير المناخ استحوذت أخيرا على اهتمام الرأي العام العالمي وتناقلت وقائعها وسائل الإعلام المختلفة بتفصيل كامل من جميع الجوانب. عندما انتهت القمة دون أن تحقق النتيجة المتواخاة من انعقادها، المتمثلة في وضع آلية لمعاهدة ملزمة قانونيا بديلة لبروتوكول كيوتو، أصابت الخيبة دعاة البيئة، بعض أصحاب القرار في الدول الصناعية الكبرى، وبعض الجهات الأخرى المعنية بمصادر الطاقة الخضراء.
لكن من المهم أن نتذكر هنا، أنه قبل أكثر من عام من هذه القمة تبنت الدول الغربية مجموعة من الإجراءات والسياسات في حماية البيئة وتقليل تأثيرات التغير المناخي. أهم الجوانب من هذه السياسات هي: التوسع في إنتاج الوقود الحيوي، كبديل للبنزين ووقود الديزل في مجال النقل، التوسع في استخدام التقنيات المنخفضة الكربون اللازمة لتحقيق الاستقرار في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، تحسين الكفاءة والتوسع في استخدام الأنواع المختلفة من الطاقات البديلة والمتجددة في مجال توليد الطاقة الكهربائية. في هذا الخصوص وضع الاتحاد الأوروبي إطارا شاملا للسياسات، بما في ذلك سياسات تغير المناخ وأهداف الطاقة البديلة والمتجددة لعام 2020 وسعر للكربون من خلال نظام مقايضة الانبعاثات.
حيث وافق رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي في كانون الأول (ديسمبر) 2008 على تنفيذ حزمة من الإجراءات لتغير المناخ وتحديد أهداف للطاقات المتجددة. هذه الأهداف تشمل ما يلي: الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 20 في المائة عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2020؛ تحقيق 20 في المائة من حصة الطاقة المتجددة في إجمالي استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020، والتوصل إلى 10 في المائة كحد أدنى من حصة الوقود الحيوي من مجمل استهلاك البنزين والديزل في مجال النقل في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020. أما على مستوى الدول فقد نصت حزمة الإجراءات على تحسين كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 20 في المائة.
هذا وسيتم تنفيذ هذه الأهداف من خلال إجراءات مقترحة على مستوى القارة ككل أو من خلال التشريعات المحلية لكل دولة. المقترحات التي قدمت في كانون الأول (ديسمبر) 2008 حددت السياسات الرئيسة والأطر العامة التي وضعت للوصول إلى الأهداف 20-20-20. الأقسام الأربعة للسياسة الأوروبية التي تؤثر في قطاعات استهلاك النفط المختلفة هي: البرنامج المعدل لتجارة الانبعاثات، معايير أنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون (CO2) بالنسبة للسيارات، تعليمات الطاقة المتجددة لوقود النقل، والتعليمات المعدلة لجودة الوقود.
استخدام النفط بصورة عامة موزع على قطاعات النقل، الصناعة، السكنية والتجارية. هذه القطاعات وقطاعاتها الفرعية، تتأثر كل منها بصورة مختلفة تماما بحزمة التشريعات الأوروبية الخضراء. حيث إن بعضها سيتضرر بشدة، بينما البعض الآخر يبقى على حاله إلى حد كبير. على سبيل المثال، في قطاع النقل السيارات هي المتضررة بشدة، لكن الطيران والشاحنات ستتأثر بصورة قليلة، في حين الشحن البحري لن يتأثر.
يستهلك قطاع النقل نحو 57 في المائة من إجمالي الطلب على النفط في الاتحاد الأوروبي. تستهلك السيارات، الشاحنات، الطائرات والسفن نحو 54، 32، 7، و7 في المائة على التوالي من الطلب الإجمالي على النفط في قطاع النقل. التشريعات والتنظيمات المقترحة ضمن حزمة الإجراءات تركز أساسا على السيارات. حيث إن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون (CO2) للسيارات الجديدة يجب أن ينخفض بنسبة 40 في المائة عن مستويات عام 2009 بحلول عام 2020. أنبعاثات الغازات الدفيئة لجميع الطائرات التي ستهبط في الاتحاد الأوروبي سيتم وضع سقف ثابت لها بدءا من عام 2012 عند مستوى 95 في المائة من انبعاثات عام 2005. في حين الشحن البحري والشاحنات لم تتأثر بعد، على الرغم من وجود بعض النقاش بخصوصها في الوقت الحاضر.
في مجال الطاقة المتجددة لوقود النقل والتي تشمل كل من الوقود الحيوي ومصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء للسيارات الكهربائية، في هذا الخصوص نصت حزمة الإجراءات على أن وقود النقل يجب أن يتضمن 10 في المائة من مصادر الطاقة المتجددة كحد أدنى بحلول عام 2020. على الرغم من أن الاتجاهات الحالية تشير إلى أن هذا المستوى قد يكون طموحا في الوقت الحاضر، إلا أن إدراج مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء للسيارات الكهربائية في هذه النسبة يمكن أن يساعد على تحقيق الأهداف.
يمثل قطاع الصناعة نحو 33 في المائة من الطلب على النفط في أوروبا، حيث يستخدم كمادة خام في الصناعات الكيماوية، توليد الطاقة الكهربائية، مواد التشحيم، الأسفلت وغيرها. لوائح الغازات الدفيئة ضمن حزمة الإجراءات تنطبق فقط على ثلث الطلب الكلي على النفط في هذا القطاع. في حين ثلثي الطلب في القطاع الصناعي على النفط من مواد أولية للصناعات الكيماوية، الأسفلت، مواد التشحيم والمذيبات، لا تتأثر باللوائح الجديدة.
أما في القطاعين السكني والتجاري فيمثلان 10 في المائة من الطلب على النفط في أوروبا، كيفية تطبيق حزمة الإجراءات لهذه القطاعات لا تزال غير مقرة بالكامل. لكن من المحتمل أن حزمة الإجراءات الخضراء ستعمل على تعزيز وتطوير معدات تدفئة منزلية ومباني جديدة أكثر كفاءة.
إن الكثير من المتتبعين والمختصين يرون أن حزمة الإجراءات الأوروبية لتغير المناخ وتحديد أهداف الطاقات المتجددة قد تكون طموحة في الوقت الحاضر وسيتم تنفيذها بصورة جزئية فقط في الصناعة النفطية ذلك لسببين رئيسين: لكون عدة قطاعات مستهلكة للنفط سوف لن تتأثر تماما، كما إن محددات ومعوقات تقنية ستمنع التنفيذ الكامل لحزمة الإجراءات في القطاعات الأخرى. حيث من المتوقع أن الأهداف الثلاثة 20-20-20 سوف لن تتحقق بالكامل.
لكن مع ذلك هذه الإجراءات ستؤثر سلبا في الطلب العالمي على النفط. في هذا الجانب استنتجت دراسة قام بها أخيرا أحد مراكز أبحاث الطاقة المتخصصة، أنه على الرغم من عدم توقع تحقيق جميع الأهداف المتوخاة من حزمة الإجراءات الأوروبية لتغير المناخ، إلا أن الطلب على النفط في أوروبا سينخفض نتيجة لحزمة الإجراءات الخضراء من نحو 15.5 مليون برميل يوميا إلى نحو 13.3 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020، أي بنسبة انخفاض 13 في المائة، أو أكثر من 1 في المائة سنويا. بعد هذا هل أخفقت قمة كوبنهاجن لتغير المناخ؟ وماذا إذا ما تحققت جميع أهداف حزمة الإجراءات الأوروبية لتغير المناخ؟
المصادر:
1- إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
2- حزمة الإجراءات الأوروبية لتغير المناخ.