أوباما .. التكشير عن الأنياب

حفلة الزار التي أقامها بعض العرب حفاوة بمقدم الرئيس الأمريكي أوباما على أساس أنه بطل «التغيير» الحامل مفاتيح جنة حلول الأوضاع المأساوية في العالم وأبرزها مأساة فلسطين والعراق وغيرها من مآسٍ أمعن بوش الابن وزمرة اليمين المتطرف في إدارته في تعميق وتعقيد بؤسها وكارثيتها.. هذه الحفلة كتبت عنها في حينه في هذه الزاوية مقالة بعنوان «وا أوباماه» عبّرت فيها عن الامتعاض من الخفة التي يتعامل بها بعض العرب مع السياسة الخارجية الأمريكية حيال قضايانا والتعويل على أن الكلمات الملساء التي تفوه بها أوباما وقوداً لحملته الانتخابية تؤخذ مأخذ الجد، وكذلك الرهان على أن شخص الرئيس الأمريكي بذاته يملك الكلمة الفصل فيما يخص مسار السياسة الأمريكية الخارجية، على وجه الخصوص، بينما واقع الحال، بصريح القول وصارخ الفعل يؤكد أن الرئيس ليس في النهاية سوى منفذ لاستراتيجية مرسومة سلفاً ودوره يكمن في التكتيك أكثر من «التغيير»!
هل يعني ذلك أنه ما من رئيس أمريكي قادر على فعل مستقل؟ إجابة هذا السؤال تتوقف طبعاً على شجاعة ومصداقية الرئيس ذاته من ناحية، لكنها تتوقف بدرجة أكبر على حجم الأداء السياسي وثقله من قبل أصحاب القضايا أنفسهم، فكلما كان الموقف السياسي متماسكاً وضاغطاً على الإدارة الأمريكية أمكن دفع أمريكا برئيسها ــ أياً كان ــ لكي تتفاعل بجدية مع المطالب.
أوباما جاءنا في عالمنا العربي والإسلامي وباعنا كلاماً ليس إلا، أما وقد أحرق من فترة رئاسته عاماً في التفلت من وعوده فها هو قد بدأ في المجابهة لفرض أمر واقع ما يريده اللوبي الصهيوني والمحافظون الجدد في أمريكا مباركاً لحكومة إسرائيل النمو السرطاني للمستوطنات حيثما شاءت في الضفة أو في القدس أو في أراضي عام 1948، كما بارك لها يهودية الدولة ولحس معها تقرير «جولدستون» عن جرائم الإبادة في غزة، بل أقدم على ما لم يقدم عليه رئيس أمريكي قبله وهو الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل!! أما في العراق فقد عزز قواته بمزيد من الجنود وما زال احتلاله يربض على أنفاس أهل الرافدين مع تقييد علاقة العراق بأمريكا بوثيقة «الإطار الاستراتيجي» وإذا انتقلنا إلى المجال الدولي فالحرب في باكستان وفي أفغانستان تطحن البشر والشجر والحجر بشراسة تحت ذريعة محاربة الإرهاب، كما يتم الآن لي ذراع الصين عبر بيع صفقة السلاح لتايوان للابتزاز بعدم الممانعة في إشعال حرب خليجية رابعة ضد إيران.
إن الهلوسة البوشية هي المثال الذي يتلبسه أوباما لكي يزايد في تكشيرة الأنياب على تكشيرة سلفه بوش حتى لا يتهم بالضعف وأنه مجرد خطيب ومسوق شعارات رومانسية يعرف هو قبل غيره أن أباطرة السلاح والمال وجماعات الضغط اليمينية الصهيونية كافرة بها على الإطلاق.
وإذا شئنا ملمحاً بوشياً مناظراً في سياسة أوباما في مجال الحرية وحقوق الإنسان والمعرفة والثقافة فدونكم قائمة الـ (14) دولة التي خصها بوصمة المعاملة الاستثنائية الدنيئة عند السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو على متن رحلات طيرانها وتعريض مواطني تلك الدول للتفتيش المذل المهين وكأنهم حثالة من المجرمين، ودونكم أيضا هذا التدخل السافر في البث الإعلامي للقنوات الفضائية في عالمنا العربي بالذات ورعونة التلويح بملاحقة أي فضائية لا تناسب موادها مزاج العم سام، وقل مثل ذلك في مواقع الإنترنت، أليست هذه كلها امتداداً للهلوسات البوشية؟ بل إن وقعها أشد وأشنع عندما يكون فارسها هذا الأسمر الذي جاء للبيت الأبيض على طبل وزمر «التغيير»؟!
ليس في الأمر تحامل على السيد باراك أوباما لكني أحسب أن المحافظين الجدد خرجوا من الباب وعادوا من الشباك فلا حقوق الشعوب محل عناية أوباما، فالأولوية لإسرائيل، ولا مناخ أو بيئة العالم مهمة، فقد أطاح بمؤتمر كوبنهاجن إكراماً للوبي الصناعة الأمريكية الذي لا يبالي، إن اختنق العالم أو غرق، ولا حرية التعبير أو الحقوق الإنسانية لها تعريف أو سقف سوى ما تحدده خطط الهيمنة وهواجس جماعات الضغط .. ولا شيء في النهاية يهم حامل جائزة نوبل للسلام «المفترى عليه» سوى أن يضمن فترة رئاسية ثانية .. وباطل الأباطيل باطل!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي