مساكن تتسبب في هشاشة العظام!

استمعت إلى طبيب وهو يتحدث عن زيادة نسبة هشاشة العظام لدى السعوديين، وأنها أكثر انتشاراً في المملكة من الدول الغربية، خاصة بين السيدات السعوديات بنسبة تصل إلى أربع مرات أكثر من الرجال، وأنهن يصبن في المملكة بهشاشة العظام في سن مبكرة عن الرجال، وأن المصابين بهشاشة العظام أكثر عرضة لكسور العظام، وخاصة في منطقة الورك والفخذين، مع بطء عملية الالتئام، وهو ما يجعل المصابين بهشاشة العظام يشغلون نسبة كبيرة من الأسرَّة المخصصة للمرضى في المستشفيات السعودية. وأن سبب هشاشة العظام يعود إلى نقص الكالسيوم وهو ما يؤدي إلى ترقق العظام وتخلخل كثافتها، وأن امتصاص الكالسيوم في العظام لا يتم إلا بفيتامين (د)، وكانت هذه المعلومات والنتائج مزعجة بشكل كافٍ لتجعل مزاجي - بوصفي مستمعاً - في حالة سيئة جداً، ولكن ما أثار اهتمامي وشد انتباهي وسبَّب لي الإزعاج الأكبر هو أن فيتامين (د) لا يمكن تكوينه داخل الجسم إلا بالغذاء المناسب والتعرض لأشعة الشمس التي تؤدي دوراً كبيراً في تكونه تحت الجلد.
فسألت نفسي: كيف يحدث مثل هذا النقص في فيتامين (د) لدى المواطنين رغم وفرة أشعة الشمس وبشكل يومي في ربوع المملكة. وتبادرت إلى ذهني - بشكل مباشر - الجلسات الصباحية التي كانت تجتمع فيها سيدات المنزل مع جاراتهن في البيوت الطينية القديمة ذات الأفنية المشمسة لإنجاز بعض الأعمال المنزلية، أو تبادل الأحاديث مع احتساء «شاهي الضحى» وما يلزم له من «مكملات غذائية»، تحت أشعة شمس الصباح كل يوم تقريباً، وتذكرت كذلك جلسات «المشراق» التي لا تخلو منها أي حارة من حارات الأحياء الطينية القديمة حيث يجتمع كبار السن من الرجال لتمضية الوقت في التسلية وتبادل الأحاديث مستندين إلى جدار مبنى في ناصية أحد الشوارع أو الساحات تحت أشعة الشمس الصباحية المشرقة خصوصاً في أيام الشتاء، وعرفت حينها لماذا لم نسمع بهشاشة العظام في تلك الأيام رغم قلة ذات اليد التي قد تؤدي إلى سوء التغذية لدى نسبة من السكان.
وأيقنت بأن جزءاً من المشكلة قد يعود إلى طبيعة مساكننا المعاصرة، ونقص تعرض السكان لأشعة الشمس المباشرة فيها. فعلى الرغم من أن تنظيمات بناء المساكن تفرض ارتداد المسكن من جهاته الأربع، وهو ما يفترض أن يسمح بدخول أشعة الشمس المباشرة إليه، وأن يوفر مساحات خارجية يستطيع السكان استخدامها والتعرض للشمس؛ إلا أن النتيجة كانت مغايرة لتلك الفرضية، فنظام البناء الذي جعل المساكن غير ساترة، وعجز المهندسين المعماريين عن تقديم معالجات تصميمية توائم بين التنظيمات ورغبات السكان؛ جعل السكان مضطرين إلى إقفال النوافذ وتغطيتها بالستائر الثقال لحجب داخل المساكن عن أعين المتطفلين، وحجبت - من ثم - أشعة الشمس من الدخول، كما أن إهمال تحويل الارتدادات الخارجية إلى فراغات معيشية مكملة لفراغات المسكن الداخلية حرم السكان من فرصة استخدامها والتعرض لأشعة الشمس المباشرة، فكانت النتيجة أن ساهمت مساكننا المعاصرة في نقص فيتامين (د)، وانتشار مرض هشاشة العظام لدى كثير من النساء السعوديات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي